فهمي هويدي

من أخبار الأسبوع الماضي أن مذيعا تليفزيونيا قاهريا تعارك مع زوجته فأخرج مسدسه وقتلها، وأن شابا ذبح أباه داخل مسجد في بني سويف، لأنه رفض تزويجه ممن أحب. وأن ثلاثة أشقاء في أسيوط استدرجوا إلى منطقة نائية زوج شقيقتهم التي أسلمت وهربت معه إلى بلده قليوب. وهناك قتلوه ثم مزقوه إربا وألقوا بجثته في أحد المصارف. وفي سوهاج طلبت امرأة الطلاق بعد شهرين من زواجها فخنقها الزوج وأشعل النار في جثتها. من تلك الأخبار أيضا أنه ألقى القبض في حي العجوزة بالقاهرة على شاب اتهم بخطف حقائب السيدات، ومن ثم تعرض لضرب مبرح أدى إلى وفاته، وقيل إن المخبرين هم الذين ضربوه في حين ذكرت مصادر أخرى أن الأهالي هم الذين قتلوه. وفي العمرانية بالجيزة فوجئ الأهالي بغارة قام بها 20 بلطجيا يحملون الأسلحة النارية والسنج والمطاوي والسيوف، واختطفوا شابا نقلوه إلى مكان مجهول. وفي السويس تمت مطاردة استمرت 6 ساعات بين الشرطة، وبعض laquo;الخطرين على الأمنraquo; بسبب تعرض الأولين المكلفين بتأمين مطاعم وفنادق العين السخنة للاعتداءات المستمرة وسرقة السلاح من جانب أولئك الأشقياء. وقضت محكمة جنح الأحداث حكما بحبس سبعة فتيان استخدموا العنف في أثناء مباراة لكرة القدم بين فريقي الأهلي وكفر الشيخ، مما أدى إلى إصابة 11 شخصا بينهم ثلاثة من ضباط الشرطة.
تلك عينة لأخبار أسبوع واحد، لم أشر فيها إلى تطورات التحقيق مع سائق الحافلة الذي قتل ستة من زملائه بشركة المقاولات التي يعمل بها لأنهم سخروا منه وعايّروه، كما لم أشر إلى تداعيات قتل laquo;شهيد الطوارئraquo; بالإسكندرية، خالد سعيد، التي ما برحت تهز المجتمع المصري.
ما كل هذه الدماء وهذا العنف؟ وهل اجتماع تلك الحوادث في أسبوع واحد مجرد مصادفة أم أنها ظاهرة لها دلالاتها؟ وإذا صح أن ثلاثة آلاف شخص في مصر حاولوا الانتحار لأسباب مختلفة، أهمها العجز عن مواجهة أعباء الحياة والبطالة، وأن ألفا فقط laquo;نجحتraquo; محاولاتهم، فما معنى ذلك أيضا؟
ليست عندي إجابة عن تلك الأسئلة، ولم أسمع أن أحدا من أهل الاختصاص أو غيرهم مشغول بالموضوع، إلا أن أمرين أقلقاني في هذا الصدد. الأول أن زميلنا على صفحات laquo;الشروقraquo; الدكتور محمد المخزنجي، الأديب المبدع وصاحب الخلفية العريضة في الدراسات النفسية، تعرض للموضوع في مقالة أخيرة له (نشرت في 15/7 الحالي)، وصدمنا في تعليقه على شيوع حالات القتل بشهادة من شقين. في الأول نقل خلاصة انطباع لزملائه المتخصصين في الأمراض النفسية، مؤداه أن ثمة تغيرا جذريا في مؤشرات الأمراض الشائعة في مصر بالمقارنة بما كانت عليه الحال قبل عقدين من الزمان، وأصبح السائد الآن هو laquo;مزيج غير متجانس من الذهانات المختلطة والاكتئابات وكثرة من حالات الهلعraquo;. في الشق الثاني من شهادته ذكر أن ما يحدث في مصر laquo;يعني شيئا خطيرا جدا ضمن الانحدارات التي لحقت بالمجتمع. فطغيان الاكتئاب والهلع وفقر النسيج البلاغي في الأمراض النفسية، ما هي إلا مؤشرات على تدهور الجنونraquo;. وهو ما عقب عليه متسائلا ومندهشا: حتى الجنون تدهور؟!
الأمر الثاني الذي أقلقني أن وزير الداخلية المسؤول الأول عن الأمن في البلد بدا غير منشغل بالموضوع، لأنه في نهاية الأسبوع ذاته ألقى كلمة في حفل تخريج ضباط الشرطة ركز فيها على ما سماه laquo;عودة أشد عنفا للإرهابraquo;.. laquo;نتيجة لانتشار بؤره في أنحاء العالم وتنوع مصادر تمويله، وارتباطها بأنشطة الجريمة المنظمة العابرة للحدودraquo; ــ (الأهرام 21/7)، وهى إشارة تعزز الانطباع السائد بأن الأمن السياسي بات يحتل الأولوية القصوى لدى وزارة الداخلية، وأن كل ما عداه تراجعت أهميته. باعتبار أن أمن النظام مقدم على أمن المجتمع.
في نفس اليوم الذي نشرت فيه كلمة السيد حبيب العادلي وزير الداخلية، أجرت صحيفة laquo;الدستورraquo; حوارا مع الأديب مسعد أبو فجر الذي أطلق سراحه مع غيره من أبناء سيناء، بعد اعتقال دام أكثر من ثلاثين شهرا حذر فيه من انفجار قادم في مصر. وهو ما لا أستطيع أن أؤيده أو أنفيه، لكني واحد من كثيرين يرون في إرهاصات الحاضر ما يبعث على القلق على المستقبل، ويرون في أفقه إشارات غامضة لم تتضح ملامحها بعد ــ ربنا يستر!