هدى الحسيني
أمام البرلمان الهندي أشجى الرئيس الأميركي باراك أوباما سمع النواب عندما قال: laquo;إن الهند اليوم قوة عالمية وشريك استراتيجي لأميركا، ولم تكن صدفة أن الهند كانت المحطة الأولى في الرحلةraquo;.
يعرف أوباما أن سلفه الرئيس جورج دبليو بوش يتمتع بشعبية كبيرة في الهند، فقد جعلها دولة نووية شرعية، لذلك اختار أوباما السير خطوة أبعد، دعم طلبها الانضمام إلى العضوية الدائمة في مجلس الأمن.
ورغم معرفته بأن الدولتين لا تلتقيان تماما حول السلاح النووي، قال أوباما: laquo;مع أن لكل دولة الحق في طاقة نووية سلمية، فعلى كل دولة الالتزام بواجباتها الدولية بما فيها الجمهورية الإيرانية الإسلامية (طمأنة للنظام الإيراني، إذ لم يكتف بكلمة إيران فقط)، إننا نتطلع إلى عالم دون سلاح نوويraquo;.
الرحلة في أبعادها الحقيقية تتطلع إلى فتح عقود وصفقات تحيي الاقتصاد الأميركي، كما لها أبعاد استراتيجية لموازنة الصين. في نظر الأميركيين يُنظر إلى الهند على أنها المكان الذي يخطف الوظائف من يدهم، لهذا بذل أوباما ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ جهدهما للتأكيد على أن الهند لا تسرق الوظائف من أميركا، وقال أوباما إن الصفقات العسكرية وحتى الصفقات التجارية العادية ستوفر الوظائف لأميركا، والصفقة النووية الضخمة التي عقدها الرئيس بوش مع الهند وكانت بقيمة 150 مليار دولار تصنّع كلها فوق الأراضي الأميركية.
من المؤكد أن باكستان تابعت الرحلة عن كثب وقلق، في الماضي القريب كانت السياسة الأميركية تركز على باكستان أولا، الآن الهند تستحوذ اهتمام واشنطن الأول. العلاقة الأميركية مع باكستان محورها أفغانستان والحرب على الإرهاب. بعد الهند ستتطلع إسلام آباد إلى علاقة طويلة الأمد وأكثر شمولية.
يقال دائما أنه لا شيء أكثر أهمية في نظر العسكر الباكستانيين من ما يجري في الهند، وعندما يصل شخص مثل الرئيس أوباما لزيارتها، فإن الأمر يثير توجس إسلام آباد. وخلال الزيارة حاولت تجاوز هذا القلق، حتى إنها ادعت أن استثناءها من الجولة، لا يقلقها. وتتذكر باكستان أن الرئيس السابق بيل كلينتون زارها لبضع ساعات بينما أمضى أياما في الهند، واليوم قال أوباما إنه سيزور باكستان العام المقبل، قد يكون هذا أرضاها جزئيا لكن العلاقة بين الهند وأميركا صارت علاقة صداقة، وتشعر باكستان بأنها ظلت خارجها، لذلك فإن كل ما سيتخلل العلاقة بين الهند وأميركا، سيؤثر عليها ويقلقها.
هناك أيضا الصين التي تراقب جولة أوباما، الهند تشارك أميركا شكوكها بالنسبة لنمو النفوذ الصيني في المنطقة، والقادة العسكريون والاستراتيجيون في الهند يرون أن الصين تطوق الهند، تماما كما ترى باكستان أن الهند تطوق أفغانستان. لكن الحكومة الهندية ترى أن الحوار مع الصين، خصوصا فيما يتعلق بالمسائل الحدودية، هو القضية الأساسية.
إذا نظرنا إلى ما بعد الزيارة، فقد تحدث أوباما عن مقعد دائم في مجلس الأمن للهند، لكنه تحدث أيضا عن إيران، ففيما يتعلق بإيران تختلف وجهة النظر الهندية عن الأميركية. علاقة الهند بإيران قوية، هي لا تدعم المقاطعة، وفي المستقبل قد تشكل إيران خلافا بين الطرفين.
أما بالنسبة إلى مراقبة الصادرات التي قال أوباما إنه سيرفعها، فسيكون هناك الكثيرون في الهند لا سيما في حقل الدفاع من ينتظر تحقيق هذا، إذ إن الرئيس السابق بوش وعد بذلك، ولا تزال الشركات الهندية تنتظر.
وهناك السياسة الأميركية المعتمدة تجاه باكستان، قال أوباما: laquo;إن الملاذات الأمنية في باكستان لم تعد محتملةraquo;، لكن منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 وزعماء laquo;لشكري طيباraquo; (عسكر طيبة) ومنظمات إرهابية أخرى يتنقلون في باكستان بحصانة كاملة.
لذلك، قال سينغ في مؤتمره الصحافي، كرد على دعوة أوباما لتحسين وتطوير العلاقات الهندية - الباكستانية: laquo;إن الحوار مع باكستان يعتمد عما سيحل بمهاجمي مومبايraquo;.
الآن ماذا بالنسبة إلى أميركا نفسها. يرى الكثير من الأميركيين أن تقوية العلاقة أكثر مع نيودلهي صارت جزءا حاسما من جهود أوباما للمحافظة عن مكانة أميركا في العالم عسكريا واقتصاديا. ويرى هؤلاء أن ما على أوباما القيام به في الهند وكذلك في إندونيسيا وكوريا الجنوبية واليابان، هو أن يوضح لهم أن أميركا صارت تفكر في مرحلة ما بعد العراق، وما بعد أفغانستان، وتهمها الخريطة الاستراتيجية لآسيا، ويعتبرون أن بروز الهند كقوة عسكرية واقتصادية هو أفضل ما حصل لأميركا والغرب منذ سقوط جدار برلين.
ويوضح لي روبرت كابلان الخبير الاستراتيجي المتخصص في الشأن الآسيوي ومؤلف عدة كتب عن المنطقة، أن رحلة أوباما إلى جنوب دول أوراسيا هي لمساعدة هذه الدول على كيفية إدارة صعود الصين، لكن هناك مشكلة، فهو لا يستطيع التخلص فورا من أعباء أفغانستان، والهند تريد كما يقول كابلان، laquo;القتال في أفغانستان حتى آخر جندي أميركيraquo;، لأن الهند استثمرت في حكومة حميد كرزاي أكثر مما فعلت أميركا، لكن في الوقت نفسه تتطلع أميركا إلى ما بعد أفغانستان، إلى الخريطة الأوسع لدول أوراسيا، ولعدة عقود مقبلة. ويؤكد كابلان أن الشراكة الاستراتيجية الأميركية - الهندية ضرورة مطلقة ويرى أن الهند نفسها تطالب بمحور أميركي - هندي للتعطيل على الصين، laquo;وهذا المحور لن يعلنraquo;، فالهند ستصبح صاحبة ثالث سلاح بحرية في العالم، ولن تستطيع وحدها تحقيق التوازن مع الصين من دون وجود سلاحي البحر والجو الأميركيين في المحيط الهندي. لكن الصين تبني السكك الحديدية والمرافئ وأميركا لم تعد تبني، وهي ترى بوضوح أن الميزان يتحول ببطء وتدريجيا. إنما هل يعني هذا أن تصبح أميركا يوما ما الشريك الصغير للهند؟
يقول كابلان: laquo;هذا اليوم سيكون بعيدا جدا. عام 2030، من المحتمل أن السفن العسكرية الهندية في الخليج العربي ستكون أكثر عددا من السفن العسكرية الأميركية، لكن حتى هذا لا يعني أن أميركا ستكون الشريكة الصغرى إلا في الجزء الأخير من القرن الواحد والعشرينraquo;.
لكن، من جهة أخرى، يحذر كابلان من المراهنة على قوة الاستقرار في دول شرق آسيا في العقود القليلة المقبلة ويقول: laquo;كان هناك مناخ جيد من الأمن، لأن القوات البحرية والجوية الأميركية كانت تحمي غرب المحيط الهادئ من المحيط الهندي في البحيرات الأميركية، وهذا سمح للدول هناك ومن ضمنها الصين، بالانصراف للاهتمام بالاقتصاد، لكن مع النفوذ الأميركي الذي بدأ يخبو، فإن المناخ المستقر قد يضعفraquo;.
وماذا على أميركا فعله لتواكب آسيا؟ يجيب: أولا: إصلاح اقتصادها وأنظمتها الصحية والضريبية والأمر الثاني المهم، أن تحاول تجنب التورط بحروب برية في أي مكان من العالم، لأن ضحايا الحروب البرية تمتص تركيز وجهود صانعي القرار.
لكن، إلى أين تتجه أميركا الآن؟ يعطي كابلان مثلا: البحرية الملكية البريطانية بدأت تتقهقر عام 1895، لكن هذا لم يمنع بريطانيا من إنقاذ العالم مرتين بعد ستة عقود، بحربين عالميتين، وإن كان مع بعض المساعدة. إن الدولة عندما تصل إلى القمة تحتاج إلى تسعة عقود لتنزل تدريجيا، هذا يعني أن دور أميركا المحوري في السياسة الخارجية لا يزال أمامها. ويضيف: laquo;يمكن للناس انتقاد أميركا كما يريدون، لكن في الشأن العسكري على الأقل، فإن العالم هنا أحاديraquo;.
باختصار، إن التقهقر في حد ذاته قد يكون مبالغا فيه، كمفهوم!
وفي الوقت الذي يواصل الرئيس أوباما جولته ويحط في إندونيسيا، يصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على رأس وفد اقتصادي كبير إلى.. الصين!
التعليقات