راجح الخوري

بات الأمر واضحا منذ زمن بعيد:
إما أن تسير الدولة وفق ما تريد قوى 8 آذار، وإما أن تتعطل هذه الدولة لتراوح مكانها في الدائرة المفرغة الى ما شاء الله.
إما أن تطبق الحكومة سياسة قوى 8 آذار، وإما أن تراوح هذه الحكومة في الشلل والعجز والقعود، ثم يأتيك بعد حين من يتهم رئيسها وأكثريتها الآتية من قوى 14 آذار بالفشل والعجز.
هذا السياق ليس بجديد على لبنان واللبنانيين، فمنذ عام 2005 الى الآن، كان واضحا تماما أن سياسة التعطيل هي السلاح المستعمل لدك أركان قوى الاكثرية، سواء كانت قوى الاقلية شريكة في الحكم ومعتكفة عن الشراكة او مستقيلة منها، وسواء كانت في صلب هذه الشراكة، وتريد للدولة والحكومة ان تسيرا وفق أبجديتها، بغض النظر عن القواعد البديهية البسيطة لممارسة السلطة وتحمل
المسؤولية.
لا حاجة بنا الى العودة الى أيام الحصارات والاعتصامات وادخال البلاد في نفق أزمة مستفحلة تفجرت في 7 ايار من عام 2008، لنذهب الى الدوحة ونعود باتفاق قاعدته الاساس كما هو معروف التوافق.


❐ ❐ ❐

على قاعدة هذا التوافق وبعدما وافق شنّ طبقه كما يقال، تم انتخاب الرئيس ميشال سليمان وتشكلت حكومة الرئيس سعد الحريري وفق معادلة كان يفترض ان تحرص دائما على أن تتم الامور بالتفاهم والحوار والتوافق، وهو أمر يذكّر اللبنانيين جميعا بمدى معارضة قوى 8 آذار مبدأ التصويت في مجلس الوزراء في الماضي لأن هذا التصويت لم يكن يومها يلائم حساباتها السياسية، وقد قيل آنذاك إنه يدفع البلاد الى مزيد من شرور الخلاف
والانقسام.
ويومها لم يكن مبدأ التوافق قد تكرس بعد في الدوحة. الآن وبعد رفع سرادق الوفاق فوق السلطات وطرق ممارسة المسؤولية، انتقلت قوى 8 آذار من معارضة التصويت في مجلس الوزراء الى الاصرار على التصويت على إحالة موضوع شهود الزور على المجلس العدلي، وفي الحالين أي المعارضة السابقة لمبدأ التصويت والاصرار الحالي عليه، كانت النتيجة واحدة تعطيل الدولة وشل الحكومة ووضع البلاد في مهب الازمة المتصاعدة الى درجة ان لبنان يكاد يصبح قنبلة موقوتة قد تنفجر بين لحظة واخرى.


❐ ❐ ❐

وبغض النظر عن ضرب التفاهم على التوافق عرض الحائط، كان يمكن خبراء القانون أن يفهموا او يتفهموا الاصرار على الاحالة على المجلس العدلي لو كان الامر من اختصاص هذا المجلس، وايضا لو كان هناك ملف تستند اليه هذه الاحالة، كما يقول تجمع 14 آذار.
وبغض النظر عن خطورة ضرب التوافق واسقاط قاعدة اتفاق الدوحة، كان يمكن الرأي العام في لبنان ان يفهم أو يتفهم اصرار قوى 8 آذار على التصويت في مجلس الوزراء، لو كانت نتيجة التصويت ستأتي لصالح الاحالة، وهو أمر ليس متوافرا الآن.
على هذا الاساس بدا أن المعركة التي تخاض تستهدف الآن أمرين:
❐ أولا: نسف قواعد التوافق التي يتمسك بها الرئيس ميشال سليمان في محاولة سافرة لدفعه عن طريق التهويل، وسوق التحليلات التي تنطوي على التحامل عليه وحتى على توجيه الاتهامات الى مواقفه، الى الخروج من موقعه كمؤتمن على الوفاق وساهر على التفاهم المفترض بين اللبنانيين، بحيث يوافق على التصويت الذي سيدفع البلاد الى مزيد من التأزيم. ولقد كان واضحا مدى التحامل عليه لمجرد أنه دعا الى عقد جلسة الحوار الوطني، ولكأن المطلوب هو الطلاق بين أبناء هذا البلد المتعوس.
❐ ثانيا: محاولة الكشف أخيرا وبعد عناد ومراقبة شديدين، على لون الشرنقة السياسية التي يختبىء النائب وليد جنبلاط في داخلها، هل فيها بقعة من quot;حريرquot;، وهل هي رمادية واللون الرمادي ممنوع، لأنك تجد فيه الابيض والأسود، والمطلوب كسر التوازن والذهاب إما الى الابيض او الى الاسود، في بلد يقوم على quot;التكنيكولورquot; سواء في نسيجه الاجتماعي او في تنوعه الحزبي
والسياسي؟
لكن من حق جنبلاط الحائر أصلا، أن يوقع الآخرين في الحيرة، فهذا الامر لا يشكل quot;تآمراquot; مع الرئيس سليمان من تحت الطاولة على المطالبة بالتصويت الذي سيؤجج الازمة أكثر فأكثر.
وللمفارقة، إنها الازمة التي يحلم المطالبون بعرش بعبدا بأن تتحول أزمة نظام تفتح الابواب على اتفاق جديد وهو المثالثة التي تحرم المسيحيين المناصفة وفق اتفاق الطائف والدستور، وتزين لذوي المخيلات لذة الجلوس أخيرا على ذلك الكرسي في quot;قصر الشعبquot;!