حسن طوالبة

المهاجرون في بلدان العالم صاروا حقيقة واقعة لا بد من الاعتراف بها والعمل على حلها بالحوار الحضاري لا بالتشهير والعنصرية .

بدون العودة إلى التاريخ القديم الخاص بالاستعمار الأوروبي في المنطقة العربية, وما قامت به الدول الأوروبية من قمع وقتل ضد المواطنين العرب في البلدان التي خضعت لها, وللأسف فان الدول الاستعمارية لم تعترف بهذا التاريخ الأسود, رغم طلب بعض الدول مثل الجزائر من فرنسا الاعتذار عن تاريخها الاستعماري.

لقد عانت الدول الأوروبية من عنصرية الفكر النازي في القرن العشرين, وظهرت أفكار تنادي برفض هذا الفكر, واليوم تعود الأفكار العنصرية في ألمانيا من جديد.

الحديث عن الفكر النازي لا يخص ألمانيا وحدها بل يخص معظم دول أوروبا, ولكن التركيز على ألمانيا لأنها دولة مركزية وهامة بمعظم المقاييس الاقتصادية والعلمية والسياسية.

بدأت ما سمي بأزمة المهاجرين منذ الصيف الماضي عندما اصدر تيلوسارازين المسؤول في البنك المركزي كتابا, انتقد فيه المسلمين, ومن ثم استقال من منصبه. ومما قاله في كتابه انه يجب أن يبدأ الاندماج منذ رياض الأطفال, ورمى باللائمة على الطرفين المهاجرين الأتراك والألمان.

تكررت موضوعة المهاجرين في اجتماع الحزب المسيحي الديمقراطي, عندما ألقت مستشارة ألمانيا خطابا عاصفا أعلنت فيه أن محاولات بناء مجتمع ألماني متعدد الثقافات أخفقت تماما, وانه يتعين على المسلمين المهاجرين أن يطيعوا الدستور الألماني لا الشريعة, إذا أرادوا أن يعيشوا في ألمانيا.

وقد ألمحت ميركل إلى تصريحات الرئيس الألماني gt;كريستيان فولف عندما قال: إن الإسلام جزء من ألمانيا مثل المسيحية واليهودية, وقالت ميركل هذا صحيح ولكن على المهاجرين أن يبذلوا جهدا اكبر للاندماج, ومن بين ذلك تعلم اللغة الألمانية.

رد الرئيس التركي عبدالله غول على ميركل معبرا عن قلقه من تنامي المشاعر المعادية للإسلام في ألمانيا وبلدان أوروبا الأخرى, واصفا العداء للمسلمين بمرض يسري بصورة منتظمة وبمعزل عن المستوى التربوي لمجتمع ما, وعلى الساسة في هذه الدول فعل شيء ما لوقف هذه العنصرية. واستشهد غول بلاعب كرة القدم التركي الأصل مسعود اوزيل الذي سجل ثلاثة أهداف في مرمى الفريق التركي أمام 40 ألف مشجع تركي في تصفيات بطولة أوروبا لعام .2010

وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير المح إلى إمكانية إصدار قرار بحظر إقامة quot;مركز الدعوة إلى الجنةquot; وهو مركز إسلامي.

أثار هذا الاحتقان أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون لدى حضوره اجتماع البرلمان الأوروبي في ستاسبورغ يوم 16 الشهر الجاري فقال : هناك اتجاه خطير آخذ في الظهور, وهو عبارة عن سياسة جديدة من الاستقطاب,تتهم المهاجرين بانتهاك القيم الأوروبية, وقال إن كثيرا من الذين يوجهون الاتهامات هم من يخربون هذه القيم.

إن العداء للإسلام والمسلمين اشتد بعد صدور كتاب صموئيل هنتنغتون صدام الحضارات, ومنذ ذاك الوقت بدأت حملات التشهير بالإسلام, والتنكيل بالمسلمين في المجتمعات الغربية, ومن ثم بدأت الحروب الاستعمارية ضد بلاد المسلمين في أفغانستان والعراق, ومن ثم بدأت الحملة على المهاجرين الذين خدموا البلدان الغربية في معظم المجالات, لكنهم اليوم صاروا إرهابيين, وصدرت مطالبات بطردهم أو تحجيم دورهم في المجتمعات الأوروبية, وطافت مظاهرات في شوارع المدن الأوروبية ضد المهاجرين.

رافق الحملة على العرب إجراءات ضد النساء المسلمات, والمطالبة بنزع الحجاب والنقاب عنهن في الجامعات والأماكن العامة, كما صدرت مطالبات بمنع بناء المآذن في الجوامع ومنع رفع الأذان من السماعات في الجوامع. في سويسرا وهولندا والدنمرك وفرنسا وايطاليا.

خلال السنوات الماضية صدرت إساءات عديدة للإسلام والمسلمين, تارة بالرسوم الكاريكاتورية التي تسيء إلى الرسول محمد /صلى الله عليه وسلم / وتارة بتكريم الرسامين كما حصل لميركل عندما كرمت الرسام الدنمركي مؤخرا, وتارة بإخراج أفلام قصيرة تظهر إحراق القرآن الكريم وغيرها من الأساليب التي تؤكد الحقد والكراهية للإسلام.

لم يقتصر الأمر على وسائل الإعلام أو السياسيين في الحكومات أو الأحزاب بل وصل الأمر إلى رجال الدين, وبالذات بابا الفاتيكان بينيديكتوس السادس عشر عندما بدأ هجومه على الرسول في محاضرة له في ألمانيا قبل سنوات, وعاد في احتفال الكنائس في الشرق الأوسط ليقول : إن الإسلام سلطة إرهابية, حيث ترتكب أعمال العنف باسم الله, وأضاف أنها ديانة زائفة يجب كشفها /,كما طالب الفاتيكان الأمم المتحدة إجبار دول الخليج العربي بان تسمح ببناء الكنائس.

السؤال هو : لماذا هاجر العرب والمسلمون إلى بلدان أوروبا ? تعددت الأسباب منها وأهمها اقتصادية وثانيها أمنية هربا من قمع الأنظمة العربية والإسلامية, وثالثها البحث عن فرص للبحث العلمي وهم قلة قياسا على طالبي العيش الكريم وهربا من الفقر, ويقدر عددهم في ألمانيا حوالي 4 ملاين وفي فرنسا أكثر من 5 ملاين, ويتجاوز عددهم في العالم أكثر من 25 مليونا.

إن المهاجرين في بلدان العالم صاروا حقيقة واقعة, لا بد من الاعتراف بها, والعمل على حلها بالحوار الحضاري لا بالتشهير والعنصرية من دعاة الحضارة والمدنية..والأمم المتحدة والدول العربية والإسلامية مسؤولة عن هذه المشكلة.