علي حماده


عندما اعلن سعد الحريري في المقابلة الشهيرة مع الزميلة quot;الشرق الاوسطquot; يوم الاثنين 6 ايلول، ان شهود الزور في التحقيق في اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري ضللوا التحقيق وquot;ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان وخربوا العلاقات بينهماquot; اتخذ الفريق المناوئ للمحكمة الدولية من التصريح حجة اضافية للزعم ان ثمة ملفا اسمه ملف quot;شهود الزورquot; بعدما كان جميل السيد قدم ادعاء خاويا لدى القضاء السوري في الموضوع، واعتبرت سوريا ان من حقها ان تصدر مذكرات جلب بحق 33 شخصا لبنانيين، عربا وأجانب في القضية. ولعل الاهم في ذلك ان البروباغاندا السياسية التي تلت اعلان الحريري عن quot;شهود الزورquot; كانت الادعاء ان هؤلاء هم الذين خربوا العلاقات بين لبنان وسوريا وعرضوا السلم والامن الوطني اللبناني من خلال ذلك.
ومن الغريب ان الدعاية المبرمجة المعادية للمحكمة والتي ارادت من خلال خلق قضية وهمية اسمها quot;شهود الزورquot; واضطلاع الامين العام لـquot;حزب اللهquot; شخصيا وبكل ما يملكه من وزن معنوي وسياسي وميداني بالهجوم، ارادت ايضا ان تخلق اوهاما جديدة حول العلاقات اللبنانية ndash; السورية. فكان ان جرى ضخ فكرة غريبة من نوع ان علاقات الرئيس رفيق الحريري مع سوريا كانت ممتازة ولم يكن صحيحا ان لسوريا مصلحة في تغييب الحريري اقله في السياسة ! كما جرى رمي رواية لا تقل غرابة عن العلاقات اللبنانية ndash; السورية والقول انها كانت ممتازة قبل ان يخربها quot;شهود الزورquot; الذين يكثر الحديث عنهم ولا احد يعرف من المقصود بهم.
لنقل الامور بكل بساطة وبصراحة متناهية. ان العلاقات بين رفيق الحريري وسوريا في الاعوام الثلاثة الاخيرة ما كانت جيدة بل شهدت صدامات متعددة ومختلفة الطبيعة. ومنذ نهاية عام 2003 كانت القيادة السورية قد زادت الضغوط على الحريري الى حدود بعيدة، وعرف لقاء كانون الاول 2003 بين الحريري والرئيس بشار الاسد وعدد من معاونيه بـquot;بروتوكول دمشقquot; الذي دفع الحريري الى اعادة النظر في كل استراتيجيته بعدما لمس لمس اليد ان دمشق كانت عزمت على الذهاب بعيدا في استتباع لبنان الى حد تذويبه في ما يشبه quot;الكونفدراليةquot;. وقد شهدت المرحلة الممتدة بين مطلع 2004 وتاريخ اغتيال الحريري في 14 شباط 2005 مواجهة سياسية كبيرة، استخدمت فيها دمشق ادواتها الامنية الدعائية والسياسية بكل طاقتها. وكانت الذروة في معركة التمديد للرئيس السابق اميل لحود الامر الذي اعتبر خيارا سوريا حاسما بالقضاء على ما تبقى من خصوصية استقلالية لبنانية. وليس هنا مجال سرد كل الوقائع التي سنعود قريبا اليها منعا لتزوير التاريخ الحاصل راهنا.
للتاريخ نقول انه عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري اتت ثورة الشعب اللبناني من امرين: الاول الغضب الكبير لاغتيال رجل استثنائي في تاريخ لبنان، والثاني تعب اللبنانيين واستياؤهم من طول مدة الوصاية السورية التي تحولت في مرحلة معينة في العديد من تجلياتها الى حالة شبه احتلالية. لما ثار اللبنانيون ثاروا بوجه الظلم وبوجه الوصاية التي ما عادت تنتهي.ولما وجهت اصابع الاتهام السياسي الى السوريين اعتبرت غالبية لبنانية كبرى وساحقة الامر طبيعيا في ضوء مسلسل طويل من الاغتيالات السابقة وأهمها على الاطلاق اغتيال الشهيد الاول كمال جنبلاط.
ليس صحيحا ان quot;شهود الزورquot; اضروا بالعلاقات اللبنانية ndash; السورية. لقد كانت هذه العلاقات سيئة جدا. ولمن تخونهم الذاكرة او يحاولون التنصل من وقائع التاريخ او يسعون الى تقديم اوراق اعتماد في دمشق، نقول راجعوا ارشيف الصحف اللبنانية.
ان الامانة تقتضينا والسوريين تحييد واقع العلاقات الثنائية عن كل هذه المهزلة المسماة quot;ملف شهود الزورquot;. الامانة تقتضي اعترافا سوريا بأن العلاقات لم تكن على ما يرام بل كانت مشوبة بالعديد من الشوائب. ومن المؤسف ان يكون السوريون بعد خمس سنوات على خروجهم من لبنان يعودون الى اعتماد التكتيكات عينها التي كانوا يعتمدونها، ناهيك باعتمادهم اشخاصا من المرحلة السلبية السابقة لـ 2005 مثل اللواء السابق جميل السيد وآخرين، وبعضهم من النوع الهابط جدا.