جورج ناصيف

هل هناك نفط في باطن الأرض اللبنانية؟ هل هناك نفط في باطن المياه الإقليمية اللبنانية التي تمتد 13 ميلا من الشاطئ، بحسب القانون الدولي؟

هذان السؤالان شغلا الأوساط السياسية في لبنان، بعد انكشاف عمليات التنقيب الإسرائيلي في المياه الإقليمية المحاذية للأرض المحتلة، شمال الجنوب اللبناني، وبلوغ هذه العمليات مرحلة متقدمة، وتوالي التأكيدات أن ثمة مخزوناً نفطياً كبيراً في الجرف البحري الذي يمتد على شواطئ سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، ويصل إلى مشارف تركيا وقبرص.

اكتسب الحديث عن احتمال وجود نفط في الأرض البرية وتحت المياه الإقليمية، أهمية مضاعفة مع تحذير رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، في آخر اجتماع لهيئة الحوار الوطني في 17 يونيو الحالي، من مخاطر بدء التنقيب الإسرائيلي عن النفط، ومع دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحكومة اللبنانية إلى البدء في عمليات تكليف شركات عالمية بهذه المهمة العلمية.

وكانت شركة بي بي اس (بتروليوم جيو سرفس) النروجية، قد قامت في العام 2009 بمسح ثلاثي الابعاد، خرجت بعده بتأكيد يفيد أن هناك 250 تريليون قدم مكعب من الغاز و8,3 ملايين برميل نفط، في المناطق التي جرى فيها المسح.

فما دقة هذه المعلومات؟ وما تداعياتها المحتملة؟

يقع لبنان جغرافياً في أقصى غرب القارة الآسيوية، أي في القسم الشمالي الغربي من شبه الجزيرة العربية، التي تضم اليمن والمملكة العربية السعودية وعمان والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر والكويت، وتمتد إلى سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والقسم الأكبر من العراق، مما يرشح هذه المنطقة من الهلال الخصيب لأن تضم مخزونات نفطية متفاوتة.

والواقع أن عمليات التنقيب عن النفط بدأت في مرحلة الانتداب الفرنسي، الذي استقدم خبراء بإشراف المهندس الجيولوجي لويس دوبرتريه من إدارة المناجم في فرنسا، وخلصت الدراسات إلى أن الأرض اللبنانية laquo;تعطي أملاً واضحاًraquo; بوجود النفط.

ثم قامت دراسات لبنانية حول منطقة تمتد من طرابلس نحو الحدود الشمالية، بإشراف المهندس الجيولوجي زياد بيضون، أكدت بدورها وجود تراكيب وبنى صالحة لاحتواء النفط في باطن الأرض، وفي العام 2002 جرى مسح زلزالي بطلب من وزارة الطاقة، أفضى إلى نتائج مماثلة.

إذن، النفط موجود، ولكن هل يكون بكميات تجارية؟ وهل تبدي الشركات العملاقة اهتماما بالتنقيب عنه واستخراجه؟

التقديرات الأولية قبل التنقيب، تشير إلى أن لا احتياطيات كبيرة، سواء في سوريا أو في لبنان، وأن احتياطي سوريا من النفط المؤكد سنة 2001 يبلغ 5,2 مليار برميل، مقابل 5,112 مليار برميل في العراق مثلاً. الاعتبار الثاني الذي يدخل في تقديرات مدى الجدوى الاقتصادية من استخراج النفط، عنوانه أن سوق النفط بعد الصدمتين النفطيتين الأولى والثانية (1973 و1980) بات سوقا معروضة بسخاء، بعد التدابير التي أخذتها الدول الغربية المستهلكة للنفط، والقاضية بعقلنة الاستهلاك النفطي وترشيده، وبعد قيامها ببناء مخزون نفطي استراتيجي، وبعد تنامي عمليات البحث عن المصادر البديلة للطاقة.

الاعتبار الثالث الذي يتحكم في عملية استخراج النفط أو عدم استخراجه، يتمثل بقرار ودور الشركات العملاقة التي تقرر إلى حد كبير الاستخراج من عدمه.

في جميع الأحوال، وحتى إذا بوشر بالتنقيب قريباً وبدأت ظواهر مشجعة عن حجم الاحتياطي، فإن الهامش الزمني بين الاكتشاف وبدء استخراج النفط، يقدر بسنتين أو ثلاث سنوات. وخلال هذه الفترة سيستمر لبنان في دفع فاتورة نفطية، تقدرها الهيئات الرسمية المختصة بمليار و250 مليون دولار.

لكن ما قد يدعو لبنان الرسمي إلى الإسراع في عمليات التنقيب، هو توالي المشاريع الإسرائيلية للتنقيب في البحر، والخطر الذي يدهم لبنان بسرقة موارده النفطية أيا يكن حجمها.

لقد دخل لبنان دائرة الترشيح للإنتاج النفطي، وثمة قرار لبناني كبير بالدخول في عملية تمتد سنوات، من أجل البحث عن سبل لتخفيض اعتماد لبنان على استيراد النفط والغاز.

فهل نفيق على لبنان بعد عقد من السنوات، وقد بات دولة شبه نفطية؟