زياد بن عبدالله الدريس


1

قبل أن استطرد في ثنايا العنوان الاستفزازي أعلاه، سأسوق الحكاية التالية:

حين كنت طالباً في المرحلة الإبتدائية في إحدى مدارس مدينتي (الرياض)، كانت لكل طالبين طاولة (ماصة) واحدة بكرسي خشبي (نفرين!) متصل بها. كان شريكي في الطاولة والكرسي المشترك طالباً سورياً، عرفت بعد مضي سنوات طويلة من تجاورنا المدرسي أنه مسيحي. لأكون أكثر دقة، فالمعلومة بأنه مسيحي كانت لدي مذّاك، لكنها لم تكن تعنيني، بل لم تكن تعنينا أو تشغلنا في الفصل الدراسي، على رغم أننا كنا نشاهد كيف كان معلم القرآن الكريم، وهو معلم سعودي، يعامل زميلنا حين تأتي حصة القرآن الكريم معاملة استثنائية تقديراً لوضعه الديني.

لم يكن ذلك الوضع التعددي في مدرسة أهلية خاصة، بل كنا في مدرسة حكومية عامة، وكان هذا تقريباً في عام 1972.

أتخيل الآن طالباً مسيحياً يجاور طالباً مسلماً في إحدى المدارس laquo;الحكومية العامةraquo; بالرياض!؟

بالفعل ... تغيّر الحال كثيراً!

2

السؤال laquo;البوشيraquo;: هل هم معنا أم ضدنا؟، هو سؤال تحفيزي للدخول في الحديث عن أوضاع المسيحيين العرب، الذين توالت الكثير من المقالات والآراء في الأسبوعين الماضيين عن أحوالهم، خصوصاً بعد المذبحة الإجرامية في الكنيسة العراقية.

حالة المسيحيين العرب في المشرق غير مستقرة وأعدادهم في تناقص، فالإحصاءات لا تكذب (على الأقل في هذا الشأن). لكن الجدل هو حول أسباب هذا الخلل في التركيبة الاجتماعية لمسيحيي العالم العربي.

هل هي بسبب غلواء الإرهاب والتطرف؟

أم نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية العربية عموماً؟

أم أن ذلك يعود إلى أسباب اجتماعية وثقافية تأثر بها العالم بأسره، وليس العالم العربي فقط؟

الذي يبدو أنه لا يمكن لأحد الجزم بأن سبباً واحداً فقط هو الذي يقف خلف التناقص أو النزوح المسيحي.

فالمهاجرون العرب، خصوصاً في خط الهجرة الثنائي بين بلاد الشام وأميركا اللاتينية إبان القرن التاسع عشر، كان معظمهم من المسيحيين العرب. ولا أظن أن إحصائية عن المهاجرين العرب إلى الغرب، عموماً، خلال القرن الماضي ستخالف ترجيح كفة المسيحيين، نسبة وليس عدداً، على المسلمين.

هذا هو الوضع الذي كان قبل الموجة الدينية العالمية التي تغشى العالم الآن، وقبل ولادة laquo;القاعدةraquo; وأمثالها.

سبب آخر للتناقص العددي للمسيحيين العرب هو الفارق الكبير في نسبة المواليد بين الفئتين تقترب من 400 في المئة لمصلحة الأسرة المسلمة المتكاثرة، وهذا يتعلق بالطبع بالخلفية الثقافية التي تتأثر بها الأسرتان العربيتان المسيحية والمسلمة.

هذا على صعيد الأسباب التاريخية التراكمية لتناقص أعداد المسيحيين. أما السبب الأحدث، والأضعف تأثيراً، فهو التفاتة الفكر المتطرف إلى عنوان جديد في أطروحته الإرهابية، هو تفريغ المشرق العربي من المسيحيين العرب، وهي دعوة مخجلة ومثيرة للعجب!

إذ طوال القرون الماضية، منذ بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وانتشار الإسلام، مرّ على أراضي المشرق العربي العديد من الفاتحين من كبار الصحابة والتابعين، وعلى رغم كل تلك الفتوحات التي غشت أراضي العرب، فما زال المسيحيون العرب موجودين بيننا.

والسؤال الذي يوجه إلى منظّري laquo;القاعدةraquo; لتفسير هذه الحالة: كيف بقي المسيحيون العرب في بلاد العرب حتى الآن؟ هل استطاعوا الاختباء عن قادة الفتوحات الإسلامية طوال الأربعة عشر قرناً الماضية؟ أم أن قادة تلك الفتوحات عجزوا عن تحقيق الأمنية التي ستقدر عليها عصابات الإرهاب والتهجير الآن؟ أم أن أولئك القادة الكرام من الصحابة والتابعين كانوا يرون رأياً شرعياً أقل حرصاً وخدمة للإسلام مما يراه شيوخ laquo;القاعدةraquo; الآن؟!

يجدر التنويه هنا إلى معلومة أوردتها دراسة أعدها المركز الأميركي لمقاومة الإرهاب في كانون الأول (ديسمبر) 2009، بأن تنظيم laquo;القاعدةraquo; قد حصد، خلال هجماته المختلفة، من القتلى المسلمين ثمانية أضعاف عدد القتلى من أبناء الديانات الأخرى، ما يعطي مؤشراً أكيداً بأن laquo;القاعدةraquo; لا تحدد أهدافها قبل التفجيرات بل بعدها، أي أن أفعالها تسبق أهدافها! أبَعدَ هذه القرون الطويلة من التماوجات الدينية والعسكرية في تاريخ العروبة والإسلام، نجد laquo;القممraquo; من قادة وعلماء الإسلام تركوا المسيحيين العرب، و laquo;القاعدةraquo; تريد أن تطردهم الآن من أرضهم وبلادهم؟!

3

من المخجل والمدهش معاً... التفكير في قدرة laquo;القاعدةraquo; أو أي تنظيم مماثل على إخلاء المشرق من المسيحيين العرب. فالوجود المسيحي العربي هو جزء من التركيبة التاريخية للمجتمع العربي. والمميزات الذهبية التي حظيت بها حقبة الأندلس الزاهرة لم تكن لتتحقق لولا توافر التنوع الثقافي الديني واللغوي والعرقي في المجتمع الأندلسي.

المجتمعات التعددية والمتنوعة أكثر قدرة على التطور والارتقاء من المجتمعات الأحادية. ونحن لدينا في العالم العربي ما يكفي من عوامل الأحادية ووسائل الجمود والتخلف بما لا يحتاج منا الى اختلاق عوامل إضافية!

وإذاً ينبغي أن يتحول السؤال / العنوان إلى:

المسيحيون العرب... هل هم منّا أم منهم؟!