جهاد الخازن
يُتهم الأمير تشارلز، ولي عهد بريطانيا، بين حين وآخر بأنه laquo;مسلم سريraquo;، وهي تهمة توجه أيضاً الى الرئيس باراك أوباما، وقد رأيت في مواقع متطرفة صوراً مزيفة للأمير والرئيس، وكل منهما يعتمر عمامة أو نوعاً من اللباس الإسلامي.
أعتقد أن الأمير تشارلز، لدوره في الحياة العامة منذ عقود، اكتسب مناعة ضد النقد، فهو ماضٍ في طريقه، وقد صدر له أو عنه أخيراً كتابان هما laquo;تآلف: أسلوب جديد للنظر الى عالمناraquo;، بالمشاركة مع توني جونبر وأيان سكيلي، وكلاهما من أنصار البيئة، وlaquo;الأمير تشارلز يتحدثraquo; وهو ترجمة الى العربية لكتاب بالإنكليزية ضم خطابات ومحاضرات للأمير عن القضايا القريبة الى قلبه والتي عمل لها طيلة حياته، من البيئة والزراعة، الى الهندسة المعمارية والتعليم والصحة، خصوصاً حوار الإسلام والغرب وبناء مجتمع متعدد الأعراق والأديان والتقاليد.
الكتاب الصادر بالعربية قدمَتْه الى الجمهور في لندن الأسبوع الماضي الجمعية البريطانية - اللبنانية، بحضور الأمير تشارلز ومسؤولين وديبلوماسيين وأركان الجالية العربية في بريطانيا.
laquo;الأمير تشارلز يتحدثraquo; من إعداد وتحرير ديفيد كادمان وسهيل بشروئي، والكتاب الأصلي بالإِنكليزية صادر عن جامعة ماريلاند، أما الترجمة الى العربية فصدرت عن دار الساقي، وتولى الترجمة البروفسور بشروئي، وهو صديق قديم عزيز كان بين أساتذتي في الجامعة الأميركية في بيروت في برنامج عن الشاعر الإيرلندي و. ب. ييتس، الذي يعتبر أستاذي مرجعاً عالمياً في حياته وشعره.
الأمير تشارلز laquo;أميرraquo; بمعنى الكلمة باللهجة المصرية، فهو عالي الثقافة وجريء في متابعة القضايا العزيزة عليه، وقد تابعتُ عمله في التقريب بين الأديان على امتداد ثلاثة عقود تقريباً، أولاً مع الأمير الحسن عندما كان ولي عهد الأردن، ثم مع الأمير تركي الفيصل واللورد كاري، رئيس أساقفة كانتربري السابق، والأميرة لولوه الفيصل، عبر مجموعة المئة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
في كانون الثاني (يناير) 2008 قدمت مجموعة المئة التي تضم ممثلين عن الأديان ودنيا المال والأعمال والميديا وغيرها جائزتها السنوية الى الأمير تشارلز. ولا أزال أحتفظ بما نشرنا عن الموضوع، فقد قدم الجائزة الأمير تركي واللورد كاري والأميرة نوره، نيابة عن الأميرة لولوه، وعن أعضاء المجموعة خالد علي رضا وفرحان نظامي وديفيد روزين والسير سيغموند ستبرنبرغ وأنا.
والأمير تشارلز استضافنا بعد ذلك في مقره الرسمي في لندن، كلارنس هاوس، وكنت أقف معه ومع الأمير تركي الفيصل، فقلت له ممازحاً: سمو الأمير، نحن في هذا العمل منذ 30 سنة ولم نحقق شيئاً. ما رأيك ان نكفّ عن العناد ونتوقف. وهو التفت الى الأمير تركي وقال باسماً: ما رأيك في كلام هذا الرجل؟ وقبل أن يجيب الأمير تركي أكمل هو: لا، هذا العمل مهم ويجب أن نستمر.
إذا كان لي أن أختار فقرة واحدة من خطاب ألقاه قبل 17 سنة تشرح فكر الأمير تشارلز، فهي قوله: انني مؤمن من صميم قلبي بأن الروابط بين هذين العالمين غدت اليوم أهم من أي وقت مضى، لأن وتيرة سوء التفاهم بين العالمين الإسلامي والغربي مازالت مرتفعة الى حد خطير، ولأن حاجتهما الى التعامل والتعايش معاً، في عالم يزداد تكافلاً، لم تكن يوماً أكبر مما هي عليه اليوم.
كان ذلك الخطاب في مركز الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد سنة 1997، وهو عاد الى المركز في حزيران (يونيو) الماضي بمناسبة مرور 25 سنة على تأسيسه، وألقى خطاباً مماثلاً تحدث فيه عن تدمير الإنسان البيئة، وقال ان هذا يناقض تعاليم كل الأديان، خصوصاً الإسلام، وهو حضّ المؤمنين حول العالم أن يعيدوا اقامة الصلة بين الإنسان والطبيعة. وألقى كلمة عن الموضوع نفسه هذا الشهر.
الطبيعة هي موضوع كتابه الجديد بالانكليزية laquo;تآلف: أسلوب جديد للنظر الى عالمناraquo; (الكلمة الأولى ترجمتي عن الإنكليزية، وهي أيضاً بمعنى تناغم وتوافق)، والأمير وشريكاه في التأليف ينتقلون من الطيور الى الصوفيين الى حياكة السجاد في أفغانستان، الى النجوم في السماء، كما يتحدثون بتفصيل عن نضوب الموارد الطبيعية، وأرى أن هذا مصيبة أكيدة مقبلة، وقد قرأت أخيراً تقريراً للأمم المتحدة يقول ان اليمن سيفقد موارده المائية قريباً وقد لا يبقى ماء للشرب.
الأمير تشارلز شخصية نادرة في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية الغربية، وقد عرفته عن كثب وأحيّي جهده.
التعليقات