ممدوح إسماعيل


في تصريح لافت أبرزته جميع وسائل الإعلام العالمية في 20 يوليو، أعلن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون رفضه سن قانون لحظر النقاب في بريطانيا، وقد جاء هذا التصريح في وقت يتعرض فيه ذلك المظهر الإسلامي إلى حرب شرسة اتخذت طابع العالمية، فقد تعرض لعدوان في بلاد الغرب وبعض بلاد المسلمين أيضاً.
ترى ماذا يقول العرب المسلمون في مصر وسورية وتونس الذين يقودون حرباً ضد النقاب لرئيس الوزراء البريطاني، لا أعتقد أنهم سوف ينطقون، وربما يقول أحدهم لعنة الله على الحرية والديموقراطية البريطانية، والعجيب انها ليست حرية بريطانية فقط ففي مصر هناك من أعلنها مدوية... أنها حرية شخصية وحق وذلك في حكم قضائي. فقد أكدت المحكمة الإدارية العليا في مصر في حيثيات حكمها أن الطالبة المنتقبة لها الحق في ستر جسدها بالزي الذي تراه مناسباً لها حسب معتقداتها، أو البيئة الاجتماعية التي تنتمي إليها، وهي من الحقوق اللصيقة بالمرأة التي لا يجوز المساس بها أو الاعتداء عليها.
وأهابت المحكمة، بالجامعات المصرية باعتبارها معقلاً للفكر والحرية أن تفسح المجال للمنتقبات للمشاركة في الحياة الجامعية شأنهن شأن زميلاتهن غير المنتقبات.
وأوضحت المحكمة أنه لا يجوز اتخاذ النقاب وسيلة لقهر الطالبة التي تتمسك بارتدائه. وقضت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة laquo;شمال دلتا مصرraquo; laquo;انه وفقاً للمادة الثانية من الدستور فإن الإسلام دين رسمي للدولة، ومن ثم فإن ارتداء النقاب ليس محظوراً، وأشارت إلى أن المواد 40 و41 و46 و57 من الدستور الخاصة بحقوق المواطنين تؤكد على مساواتهم في الواجبات والحرية الشخصية، بالإضافة إلى كفالة الدولة لحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينيةraquo;. واعتبر الحكم أن كل اعتداء على الحرية الشخصية من الحقوق والواجبات، يعد جريمة، مشدداً على laquo;عدم جواز حظر النقاب لتعارضه مع الحرية الشخصيةraquo;.
الحرب ضد النقاب، والتي باتت أشبه بحال من الهوس، اندلعت في أوروبا... في فرنسا وبلجيكا وإيطاليا، وهي بلاد ترفع لواء الحرية الشخصية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومع ذلك تساقطت كل تلك الشعارات بسبب فوبيا الإسلام أمام النقاب.
لكن رغم ذلك بقي للعدالة صوت ووجود، ففي فرنسا اعترض مجلس الدولة قائلاً laquo;إن حظر ارتداء النقاب قد يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما يتناقض مع دستور الجمهورية الفرنسيةraquo;.
أما laquo;منظمة العفو الدولية - أمنستيraquo; فقد دعت المشرعين الفرنسيين إلى عدم الموافقة على مشروع القانون، وقالت إن laquo;الحظر الكامل على تغطية الوجه، يتناقض مع حقوق حرية التعبير والعقيدة لهؤلاء النساء اللاتي يرتدين النقاب في الأماكن العامةraquo;.
وأيضاً قالت منظمة laquo;هيومان رايتس ووتشraquo; المعنية بحقوق الإنسان laquo;إن حظر ارتداء النقاب في فرنسا ينتهك حقوق الإنسان ولا يساهم في تعزيز حرية المرأة... حيث انه لا يمكن صون حقوق المرأة من خلال مصادرة خصوصياتها الدينية أو الاجتماعية بحجّة حمايتهاraquo;. ونقلت laquo;وكالة الأنباء الألمانية - د. ب. أraquo; تأكيد خبير شؤون التمييز في أوروبا لدى laquo;منظمة العفو الدوليةraquo; جون دالهويسن laquo;ان منع النساء من تغطية وجوههن يعد خرقاً للحقوق الأساسية للمرأة لأنه ينتهك حقوق التعبير والمعتقد للنساء اللواتي يرتدين النقاب والبرقع بوصفه تعبيراً عن هويتهن ومعتقداتهنraquo;. موضحاً في السياق ذاته أن أي تقييد لحقوق الإنسان يجب أن يكون مرتبطا بهدف مبرر، مشيراً إلى أن هذه الحال لا تنطبق على حظر كامل لارتداء النقاب.
وأضاف: ان الخطوة التي اتخذها مجلس النواب البلجيكي بفرض حظر كامل على ارتداء النقاب، وهي الأولى من نوعها في القارة الأوروبية، تعد سابقة خطيرة. فأي قيود قد تفرض على حقوق الإنسان الأساسية لابد أن تكون متناسبة وذات أهداف مشروعة، ولا يمكن شمول حظر النقاب ضمن هذا التوصيف.
أما صحيفة laquo;الواشنطن بوستraquo; فقد علقت في 2 مايو قائلة: إن الفكرة التي تقول: إن النقاب يشكل تهديدا أمنياً أو ثقافياً أمر مضحك، وهؤلاء الذين يقولون: إنهم يدافعون عن حقوق المرأة في حقيقة الأمر عادوا بها إلى الوراء، إنهم بذلك ينتهكون الحقوق الأساسية من حرية التعبير والحرية الدينية، بل ويزيدون من تفاقم المشكلة التي يقولون: إنهم يشعرون بالقلق بشأنها. إن حظر عاداتهم وملابسهم وأماكن عباداتهم لن يجعلهم أكثر التزاماً بالثقافة الأوروبية، بل سيجعل أوروبا أقل حرية.
أخيراً... إن المتأمل في تلك التصريحات التي خرجت بصوت عال من الغرب المسيحي حتى وصلت إلى رئيس وزراء بريطانيا تطالب بتحقيق العدل والعدالة، وحقوق الإنسان، والحق في الحرية والتعبير والمعتقد، يحترم قائليها ويتعجب إذا ما قارنها بالبعض في بلاد العرب والمسلمين الذين يتفنون في معاداة النقاب والحجاب في بلاد المسلمين هل كي ينالوا رضا الغرب المتطرف في حربه ضد مظاهر الإسلام! الحقيقة أن معاداتهم للنقاب تتفق مع معاداتهم للحق في الحرية والعدل لجميع المواطنين وليس للمنتقبات فقط، فهم يعادون كل حق لكل إنسان لأنهم لا يعرفون غير لغة الاستبداد والظلم.