ميرزا أمان
نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية واستراتيجية وبفضل جهود تنموية مدروسة وعملية استطاعت الدول الخليجية كسب ثقة المواطن العربي الذي كان يعول في السابق على الدول العربية الكبيرة في حل قضاياه المحلية والإقليمية والقومية. استطاعت هذه الدول، ومن غير أن تمارس ضغوطًا أو حتى تسعى هي إلى ذلك، أن تقنع المواطن العربي بأنها خير معين له في قضاياه وأنها أفضل من يمكنه معالجة تلك القضايا وذلك بفضل حكمة قادتها وحسهم القومي وانتفاء أي مطمع أو مطمح لديهم مقابل أي دور أو مساهمة يقدمونها في سبيل حل تلك القضايا.
ونتيجة لتلك الرغبة الصادقة من جانب هذه الدول وقادتها وثقة المواطن العربي، بكل أطيافه وفئاته، تم التوصل إلى حلول دائمة للكثير من القضايا العربية الصعبة والمعقدة. فكان اتفاق الطائف الذي استطاعت المملكة العربية السعودية من خلاله، وبفضل ثقة كل الشركاء اللبنانيين في دورها، أن تضع حدا لمعاناة أليمة وتوقف جريان بحور من الدماء الغالية وتصلح بين الأخ وأخيه وتعيد بناء مؤسسات الدولة اللبنانية. ونتيجة لذلك أيضا كان اتفاق الدوحة الذي أوقف محاولات تفسير اتفاق الطائف حسب الأهواء والرغبات وكرس روح اتفاق الطائف والمرجعية اللبنانية العريقة المبنية على تقاسم السلطات والعيش المشترك.
ولما ظهر بين اللبنانيين من لم ترضيه الحلول السلمية الخليجية الصادقة والمخلصة، حيث كان يتطلع إلى أدوار تلعبها دول غير هذه الدول تربطها معه مصالح شخصية وفئوية، وأخذ يفسر اتفاق الدوحة تفسيرا خاطئا، تماما كما حدث مع اتفاق الطائف، تحركت السعودية بشخص مليكها وقامت باتصالات جادة مع شقيقتها سوريا بشخص رئيسها وكانت القمة الثلاثية التي عقدت في بيروت والتي نالت، وما تزال، ثقة ورضا وترحيب الغالبية العظمى من اللبنانيين واستعدادهم لقبول نتائجها، لمعرفتهم بسلامة النوايا والإحساس القومي الصادق للرؤساء الثلاثة، أقطاب تلك القمة.
هذا فيما يخص الشأن اللبناني فقط، ولا يعني أن التحركات الخليجية اقتصرت على لبنان فقط. فهناك المبادرة السعودية - العربية لمعالجة الاحتلال الصهيوني لفلسطين والتي بينت سوء نية المحتل وكشفت ألاعيبه وعدم جدية الوسطاء الغربيين، وهناك قمة الدوحة للفصائل الفلسطينية وقمة مكة للفصائل الفلسطينية وقمة الدوحة للفصائل السودانية ومؤتمر جوار العراق إلى غير ذلك من المبادرات الخليجية لحلحلة القضايا العربية والتي لا يسع المجال إلى ذكرها هنا بالتفصيل. إنما ركزنا على الشأن اللبناني لأنه الشأن الدامي حاليا، خاصة بعد الأنباء عن توصل الفصائل العراقية إلى حل يتقاسم بموجبه الشركاء زعامة السلطات في العراق. ركزنا على الشأن اللبناني لأنه مع الأسف الشديد لا زال هناك، من بين اللبنانيين والعرب، من يفضل الحل الغربي، والأمريكي تحديدا. يرفض الحل المخلص والجاد والصادق والمجاني ويسعى وراء الحل المغرض والمشروط والمكلف.
بعيداً عن التشكيك في النوايا وعدم سلامة الأهداف يبقى الحل العربي والخليجي تحديدا هو الأفضل لكل القضايا العربية واللبنانية على وجه الخصوص. فالخليجي ينظر إلى لبنان على أنه البلد العربي الذي يعشق، وإلى اللبناني على أنه الأخ الشقيق الذي يؤلم الخليجي ما يؤلمه وإلى المجتمع اللبناني على أنه المجتمع الذي عاش فيه وعرفه وعرف قضاياه واهتماماته ومكوناته وكون علاقات متينة وأمينة مع تلك المكونات. بعكس الغربي والأمريكي الذي تقصر معلوماته عن الإحاطة حتى بالمجتمع الذي يعيش فيه، فما بالك بالمجتمع الذي يبعد عنه آلاف الأميال وتفصله عنه محيطات وأجواء. يبقى الحل العربي الخليجي هو الأفضل لأنه نابع من قناعة مفادها laquo;ما حك جلدك مثل ظفرك.raquo; يبقى الحل العربي الخليجي هو الأفضل لأنه ينبع من مبدأ يفتقده الغرب وهو laquo;إصلاح ذات البينraquo; الذي هو أفضل من عامة الصوم والصلاة.
بالنسبة لبعض العرب الذين يزعجهم أن يكون للدول الخليجية دور قومي ومساهمة في علاج المشاكل العربية والقومية فنقول لهم إن هذا العصر هو عصر هذه الدول، شئتم أم أبيتم، للأسباب التي ذكرناها ولأسباب كثيرة غيرها تعرفونها. يجب أن تقبلوا بأن laquo;دوام الحال من المحالraquo; بروح رياضية. أما بالنسبة لأولئك النفر الذين يرفضون الإعتراف بفشل الدور الأوروبي والأمريكي فنقول لهم أيضا بأن الاعتراف بالخطأ فضيلة والحضن العربي الذي ما زال مفتوحا لكم هو الحضن الذي لن تجدوا الدفئ إلا فيه.