إياد الدليمي

laquo;العراقيةraquo; وجدت نفسها في زاوية ضيقة.. فإما أن تشارك بالحكومة على أن تعمل للتغيير من الداخل أو أن تركن في زاوية المعارضة داخل قبة البرلمان ثمانية أشهر من الشد والجذب والجدال والاتهام بين القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي وقائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والنتيجة أن الأمور سارت وفقا لما يريده المالكي وائتلافه، وخرجت العراقية من المولد بلا حمص، وكان بالإمكان أن تحصل على ما حصلت عليه بعد ثمانية أشهر في الشهر الأول الذي أعقب الانتخابات العراقية في السابع من مارس الماضي، وتقطع الطريق على المالكي الذي ظل يمارس صلاحياته كاملة غير منقوصة بلا أي سلطة رقابية أو تشريعية بعد أن عطل البرلمان.
ببساطة هذا ما يردده المتابع العراقي لشأن تشكيل حكومته، وربما أيضا هو رأي نخبة سياسية ومثقفة سواء في العراق أو خارجه، فالتصريحات النارية التي طالما أتحفنا بها قادة العراقية بزعامة إياد علاوي من قبيل عدم المشاركة في حكومة يرأسها المالكي وعدم التفريط في استحقاق القائمة العراقية لتشكيل الحكومة، ذهبت أدراج الرياح، وهاهو المالكي يعود رئيسا للحكومة الجديدة، بل الأكثر من ذلك عاد معه جلال الطالباني رئيسا للجمهورية، بينما لم تحصل العراقية سوى على منصب رئاسة البرلمان، ومجلس متعدد الصلاحيات وحتى التسميات، ولم يتضح شكله بعد، برئاسة إياد علاوي. فهل فرطت القائمة العراقية في حقها الانتخابي والدستوري وتطلع جماهير عريضة كانت تقف وراءها من أجل التغيير الذي وعدت به، أم أنها وصلت إلى طريق مسدود ورأت أن لا مركب غير الأسنّة، فركبت على أمل أن تشارك فعليا في صياغة القرار السياسي بالمرحلة المقبلة؟
أعتقد أن القائمة العراقية بعد هذا الإصرار والتعنت الذي استمر طيلة ثمانية أشهر، وجدت نفسها مضطرة غير مخيرة أن تفسح المجال أمام نوري المالكي لإعادة تشكيل الحكومة من جديد، فلقد أدركت العراقية بعد شد وجذب طال واستطال، أن المالكي مطلوب أميركيا وإيرانيا أيضا، بمعنى أنه جمع حول شخصه الأضداد، وبالتالي فإن منافسة شخصية من هذا النوع كان أكبر من قابلية العراقية وساستها.
شهدت الأشهر الثمانية الماضية، قبل التوصل إلى اتفاق لتسمية الرئاسات الثلاث في العراق، زيارات متتالية ومتعاقبة قام بها ساسة القائمة العراقية إلى عدد من دول الجوار وتركيا، دون إيران، التي بقيت عقدتها مع هذه القائمة متواصلة، ولعل هذا يفسر السبب وراء عدم تمكن العراقية من شق صف التحالف الكردي الشيعي، والذي تمكن في النهاية من حشر العراقية في زاوية ضيقة.
الأكيد أن إيران تلعب الدور الأبرز في إعادة ورسم خطوط اللعب في العراق، وليس مبالغة إذا قلنا إن دور طهران فاق دور واشنطن، وهو ما بدا جليا في الدعم الإيراني اللامحدود لنوري المالكي ونجاح طهران في تتويج المالكي رئيسا لحكومة بغداد لأربع سنوات أخرى، وأيضا، فإن لإيران دورا كبيرا وتأثيرا لا يقل عن تأثيرها في الأحزاب الشيعية، ذلك هو تأثيرها في القوى الكردية، فالرئيس العراقي جلال الطالباني يرى في إيران الصديق الصدوق، فحتى عندما شن أقرب حلفاء إيران موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي السابق في العراق، هجوما غير مسبوق على طهران قبل نحو عام من الآن، فإن الطالباني رفض أن ينبس ببنت شفة، بل سارع في امتداح دور طهران.
القائمة العراقية وجدت نفسها محشورة في زاوية ضيقة، فإما أن تفسح الطريق أمام المالكي لإعادة تشكيل الحكومة، وإما أن تبقى مصرة على موقفها بالرفض، وإما أن تشارك في حكومة برئاسة المالكي، على أن تفرض ما تعتقد أنه شروط ومطالب الحد الأدنى، وتعمل على التغيير من الداخل ما استطاعت، أو أن تركن في زاوية المعارضة داخل قبة البرلمان، وهي التي تعرف أنه لا معارضة حقيقية في البرلمان في ظل سياسات التوافق التي تنتهجها الكتل السياسية.
غياب العراقية عن حكومة المالكي لن يفقد هذه الحكومة مفهوم الشراكة الوطنية، خاصة أن هناك قوى سنية أخرى سواء داخل القائمة العراقية أو خارجها، كانت على استعداد للمشاركة في هذه الحكومة، وكل هذا كان حاضرا في ذهن قادة العراقية وهم يقررون المشاركة في حكومة برئاسة المالكي.
وبغض النظر عما إذا كانت العراقية شاركت مضطرة في حكومة المالكي أو أنها فرطت في حقها وحق ناخبيها، فإن السؤال الأبرز هنا هو: هل ستتمكن سياسة التغيير من الداخل التي تنوي العراقية انتهاجها من أن تكون مؤثرة وإيجابية في ظل الحكومة الثانية للمالكي؟