يوسف الكويليت

مؤتمر الاستثمار الخليجي - الأفريقي الذي انعقد في الرياض لم يهتم به إلا بضعة تجار، ورجال أعمال محدودين من دول المجلس، بينما أظهرت المساومات بين هذه الدول والاتحاد الأوروبي الذي فرض شروطاً قاسية في توقيع التجارة البينية أن الأمور لا تسير وفقاً لتبادل المصالح على مبدأ تكافؤ المواقف والأدوار، بينما الدول الأفريقية التي تبقى منجماً هائلاً للثروات الزراعية والتعدينية، وسوقاً لتصريف الصادرات، لم تأخذ الاهتمام الذي يليق بمؤتمر كهذا، والمشكل أن هناك سباقاً محموماً بين الغرب ، ودول آسيا ممثلة بالصين والهند، في البحث عن مواقع في القارة البكر..

قد نقول إنها بداية، والبدايات دائماً عسيرة، ولعل إنشاء صندوق من أجل الاستثمار بين تلك الدول يعتبر الخطوة الجيدة، أما القول بأن معظم دول القارة لا تملك بنية أساسية مع ضعف في الإمكانات البشرية المدربة، فإسرائيل وبلدان أخرى في المنطقة وخارجها لم تجعل هذه الذرائع سبباً في الامتناع عن الاستثمار، وقد كنا في منتصف الخمسينيات إلى السبعينيات نمتلك الصوت الأفريقي في المحافل الدولية في الوقوف مع قضايانا، ولكن العواطف انتهت بتغليب المصالح عليها، وقد خسرنا بهذه الأسباب قارة لنا في عمقها روابط دينية وتاريخية، واقتصادية، والأخيرة تأثرت بالدعايات الأوروبية والأمريكية عندما كانت القارة فضاءً لنهب خيراتها، والادعاء بأنها بيئة فقيرة غير آمنة بين محترفي الجريمة أو الأوبئة، بينما شركات أوروبا وأمريكا وقواعدهما العسكرية هي وحدها العاملة، وبأفق الاستغلال وليس الاستثمار..

دول الخليج، وتحديداً، أصحاب الرساميل الكبيرة في القطاع الخاص، أو الصناديق الحكومية، ليسوا مطالبين بأن يقدموا المعونات والحسنات بدون عائد مادي أولاً، ثم سياسي واجتماعي ثانياً، ومن يدّعي عزلة أفريقيا عن العالم لا يملك رؤية صحيحة عندما وصفت جهات اقتصادية تدرس وتحلل هذه القارة بأنها تأتي في الدرجة الثانية بعد آسيا في اتساع الاستثمارات من مختلف دول العالم..

ودول الخليج، إذا ما استطاعت العمل بكفاءة حقيقية فإنها ستؤمن مواردها الضرورية من أغذية ومعادن، وغيرهما، بشرط أن لا يظل قِصر النظر هو الحكم المطلق، والمخالف للواقع على هذه القارة..

لم يعُد للوعود قيمة أساسية عندما استعملنا مع دول القارة الأفريقية شعارات التحرر والتحرير، وقد جرب اليسار الشيوعي بكل طاقاته أن يكون البديل الموضوعي عن الغرب الاستعماري، ولكنه فشل إلا بتوريد الخردة العسكرية لتتقاتل الأحزاب والقبائل بمبدأ الانتماء لنظام دون آخر، ولذلك انحسر هذا الدور، وبقي مَن رفع تلك الشعارات يقبل بظلم الغرب على بشائر الشرق..

الدور العربي والخليجي، بشكل خاص، لديه القابلية لأنْ يفتح نوافذ جديدة مع الشعوب الأفريقية والمرحبة دائماً بأي سلوك يراعي مصالحها وأهدافها، وحاجتنا كبيرة في الميادين الزراعية والصناعية حتى لو جاء ذلك مع دور الخبرة والاستثمارات الخارجية في شراكة معها في المساهمة بجعل أفريقيا واحة المستقبل لنا، وعلى قاعدة المصالح المشتركة..