صالح عبدالرحمن المانع


عقدت يومي السادس والسابع من شهر ديسمبر الجاري جولة جديدة من المفاوضات بين الدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، وكان لب المفاوضات حول محاولة وقف تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية. وتعتبر هذه الجولة هي الأولى من نوعها منذ توقف المفاوضات في أكتوبر من عام 2009م. وحين توقفت المفاوضات بين الجانبين قبل أربعة عشر شهرا كان هناك شبه مسودة إتفاق وافقت عليها الحكومة الإيرانية بشكل مبدئي. غير أن هذه الموافقة تغيرت بعد عودة الفريق المفاوض إلى طهران، ما دفع مجلس الأمن إلى إصدار قرار بعقوبات اقتصادية إضافية ضد إيران.
لم يكن الطرفان الغربي والإيراني متحمسين لعقد مثل هذه الجولة، ولكن البدائل والظروف القائمة دفعت بكلا الجانبين إلى مقر المفاوضات في جنيف، فقد اشترطت إيران قبل بدء المفاوضات عدم إدراج موضوع التخصيب على جدول الأعمال، وهو ما لم تقبله الدول الغربية. والأمر الثاني أن إيران أرادت إشراك تركيا كطرف مهم وصديق لها في تلك المفاوضات، ثم إنها لم ترد أن تتم المفاوضات تحت علم الأمم المتحدة، ولكن تحت علم الوكالة الدولية للطاقة النووية في جنيف. ولكن مثل هذا الأمر كان من الصعوبة بمكان فلقد تم تحويل كامل الملف منذ فبراير عام 2006م إلى مجلس الأمن. وأصبح من الصعب حصر الموضوع داخل أطر الوكالة الدولية، بعد تدويله وتسييسه.
بالمقابل، بدت إيران منزعجة من الضغوط الاقتصادية التي تمارسها الدول الغربية عليها، والمقاطعة المنفذة على مشاريع النفط والغاز الجديدة فيها، التي كلفت الاقتصاد الإيراني زهاء ستين بليون دولار. كما أن الأحداث الأخيرة في 29 نوفمبر التي شهدت التصفية الجسدية لاثنين من أهم علماء الذرة الإيرانيين، قد خلفت مرارة جسيمة لدى الإيرانيين. واشتكى السيد سعيد جليلي في مفاوضات جنيف، من أن مخابرات الدول الغربية تدعم عمليات إرهابية على الأراضي الإيرانية.
من ناحيتها، فإن الدول الغربية تشعر بأن الضغوط الاقتصادية على إيران لن تكون كافية لإيقاف عمليات التخصيب داخل إيران. حيث أن إيران قد خصبت حتى الوقت الحاضر حوالي ثلاثة أطنان من اليورانيوم 5.3 %، كما خصبت 33 كجم إلى نسبة 20 %، ما يجعلها قادرة على استخدام هذه الكميات في مفاعل طهران المستخدم لاستخراج النظائر الطبية.
لذلك فإن هذه الدول تريد أن تقنع بالمغريات والضغوط معا القيادة الإيرانية بضرورة التوقف عن متابعة أنشطة التخصيب، وفاجأت الوزيرة الأمريكية الحضور في مؤتمر حوار المنامة قبل ثلاثة أيام من مؤتمر جنيف، بقولها بأن الولايات المتحدة تقبل أن تقوم إيران ببعض عمليات التخصيب. وتباين هذا الموقف بشكل كبير مع الموقف البريطاني والموقف الأوروبي المتشدد نوعا ما تجاه هذه المسألة، ولا يعرف هل أن هذا التصريح من السيدة كلنتون هو فقاعة دبلوماسية لا تحمل الكثير في طياتها، أم أن هذا جزء من صفقة سياسية وتقنية واقتصادية محتملة. وإذا كانت إيران ترغب في الخروج العاجل من مظلة العقوبات الاقتصادية، وترى فيها نوعا من أنواع الحرب الاقتصادية، أو إرهاصا لحروب عسكرية قادمة، فإن الدول الغربية الواقعة في وحل الحرب الأفغانية، تريد الخروج من أفغانستان بشكل سريع وبأقل التكلفات المادية والبشرية، وهي تريد مساعدة إيرانية في هذا الشأن، كي تخفف من اعتماد دول حلف الناتو وجيوشها المقاتلة في أفغانستان على خطوط إمداد لهجمات منتظمة من قبل مقاتلي طالبان باكستان.
هذه المفاوضات كانت مفاوضات استكشافية للمواقف، ومحاولة لتهدئة روع القيادة الإيرانية من الضغوط المستمرة ضدها.
وفي محاولة لكسب ود الجانب الإيراني، وافق المجتمعون على عقد اجتماع لاحق أواخر شهر يناير القادم في أسطنبول، وهي الدول الصديقة لإيران. وربما كان المفاوضون يرمون إلى إعادة طرح الاتفاق الثلاثي بين إيران وتركيا والبرازيل والذي عقد في مايو الماضي. وقد رفضت الدول الغربية ذلك الاتفاق في حينها، وذكرت أن ذلك الاتفاق كان قاصرا، حيث إنه لم ينص على ضرورة وقف عمليات التخصيب.
الطرفان الإيراني والغربي يرون في هذه المفاوضات وسيلة لكسب الوقت. وربما تجد إيران نفسها بعد عام أو عامين وقد حصلت على كميات كافية من اليورانيوم المخصب بحيث تكون على حافة إنتاج القنبلة، دون أن تنتجها بالفعل.
غير أن درس كوريا الشمالية يمثل بكل مزاياه وعيوبه أمام الإيرانيين، فبالرغم من نجاح كوريا الشمالية في إنتاج قنبلتين نوويتين، فإنها لم تستطع حتى الآن إشباع حاجات سكانها للأغذية والمواد الأولية، ما جعلها تتخذ على الدوام مواقف متشنجة.
ويمثل أمامنا المثال السوفيتي، فقد نجحت موسكو خلال الحرب الباردة في بناء ترسانة نووية وصاروخية، ولكن السوس أكل أسس اقتصادها من الداخل فانهارت الإمبراطورية. والحكومة الإيرانية تعتقد أنها يمكن أن تعقد صفقة أو صفقات على جانب هذه المفاوضات، ولكن عدم الثقة المتبادلة يجعل احتمال التوصل إلى مثل هذه الصفقة بعيدا في الوقت الحاضر.
في المقابل يمكن أن يستمر عقد مثل هذه المفاوضات بشكل بيزنطي لا طائل من خلاله، سوى كسب الوقت وتفادي تأزم المواقف وانحدارها إلى مستوى المواجهة العسكرية. وفي هذا الحال فسنكون أمام وضع كلاسيكي يشبه مفاوضات الحد من التسلح النووي التي استمرت عشرات السنين بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولم تثمر إلا القليل.