خيرالله خيرالله
لم تفاجئ ادارة باراك اوباما أحداً، خصوصاً الجانب الفلسطيني. أفضل ما في هذه الادارة انها تعترف بفشلها حيث تفشل وحين تتأكد من ذلك بالملموس. تبين لها ان ليس في استطاعتها الوقوف في وجه حكومة بنيامين نتنياهو وأن كل المحاولات التي بذلها الرئيس الاميركي ليظهر في مظهر الرئيس المختلف عن سلفه جورج بوش الابن باءت بالفشل. كلّ ما في الامر ان نتنياهو أقوى من المقيم في البيت الابيض. تنبع قوته من انه قادر على الضغط على الرئيس الاميركي في واشنطن دي. سي. نفسها، وربما من داخل مقر الرئاسة.
كانت الانتخابات الجزئية التي جرت الشهر الماضي وادت إلى خسارة الديموقراطيين الاكثرية في مجلس النواب وفقدانهم الاكثرية المريحة في مجلس الشيوخ نقطة تحول بالنسبة إلى الادارة. ربّما اكتشف اوباما متأخرًا، ان بناء سياسته على كل ما هو مختلف عن سياسة بوش الابن لا يمكن ان يشكل سياسة. في كل الاحوال، قد يكون اهم ما اكتشفه ان ليس في استطاعته الذهاب بعيدا في المواجهة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في هذه الظروف بالذات، خصوصا بعدما تبين له ان السياسة العدوانية التي تمارسها حكومة بيبي تلقى تأييداً في الكونغرس...
باختصار شديد، لم يحسن باراك اوباما ادارة لعبة التعاطي مع إسرائيل. ثمة من يقول ان الفلسطينيين لم يساعدوه في ذلك. ولكن ما لابدّ من الاشارة اليه في هذا المجال ان الجانب الفلسطيني لا يتحمل اي مسؤولية في شأن كل ما له علاقة بوقف الاستيطان. سارع الرئيس الحالي فور دخوله البيت الابيض، قبل اقل من عامين، إلى التركيز على الاستيطان وأهمية وقفه. كان عمليا وراء اصعاد الفلسطينيين إلى أعلى الشجرة في شأن الربط بين التفاوض ووقف الاستيطان، فراح يحاول انزالهم منها بهدوء وتؤدة بعدما تبين له ان هناك في إسرائيل مَن هو على استعداد للذهاب بعيداً في المواجهة وان ادارته لا تمتلك العدة اللازمة لمواجهة من هذا النوع. بكلام اوضح، ليس في البيت الابيض حالياً رجل اسمه جورج بوش الاب اسم وزير خارجيته جيمس بايكر واسم مستشاره لشؤون الامن القومي الجنرال برنت سكوكروفت. بدأ المحيطون بباراك اوباما ينفضّون من حوله وهو لا يزال في منتصف ولايته الاولى. هناك اسئلة تطرح منذ الآن فحواها هل هو رئيس لولاية واحدة لا يشبه سوى جيمي كارتر، وهل سيكون حتى قادرا على ان يكون مرشح الديموقراطيين بعد اقل من سنتين من الآن، علما ان الرئيس الذي يمضي ولاية اولى في البيت الابيض يتحول إلى المرشح الاوتوماتيكي لحزبه في نهاية الولاية؟ قد يجد اوباما، في حال لم يتحسن الاقتصاد، في وضع يمكن ان يفرض عليه التخلي حتى عن السعي إلى اعادة انتخابه بعدما اثبت، اقله إلى الآن، انه عاجز عن وضع سياسة خارجية متكاملة وسياسة داخلية تعيد للاميركي العادي حدا ادنى من الثقة بالاقتصاد. في النهاية ما سيحدد مصير اول رئيس اسود للولايات المتحدة هو الاقتصاد ولا شيء غير ذلك. الاكيد ان ذلك ما دفعه إلى الهرب من المواجهة مع الحكومة الإسرائيلية والانصراف إلى ما هوه اكثر فائدة له، اي الوضع الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة.
لا شك ان باراك اوباما يعرف قوة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. هذا اللوبي واجه بوش الاب في العام 1992 ومنعه من الحصول على ولاية ثانية. لكن ما لايمكن ان نتجاهله في الوقت ذاته، ان ادارة بوش الاب ذهبت بعيدا في المواجهة مع اليمين الإسرائيلي الذي كان يمثله وقتذاك اسحق شامير. مثلما حصل تغيير في واشنطن تمثل في انتصار بيل كلينتون على جورج بوش الاب، حصل تغيير في إسرائيل وحلّ اسحق رابين مكان اسحق شامير. كانت تلك فرصة لا تعوض للفلسطينيين كي يخوضوا مغامرة السلام... فكان اتفاق اوسلو الذي وقعه ياسر عرفات مع اسحق رابين في حديقة البيت الابيض خريف 1993.
السؤال الان ماذا سيفعل الفلسطينيون؟ لا شك في انهم في وضع لا يحسدون عليه بعد ما حشرتهم واشنطن في زاوية المفاوضات غير المباشرة في وقت ستتابع حكومة نتنياهو ابتلاع الارض عن طريق الاستيطان. لعل المسؤول الاعلامي في quot;فتحquot; السيد محمد دحلان، وهو عضو اللجنة المركزية للحركة افضل من لخص الوضع. اعترف قبل ايام بان لا امل في تحقيق اي تقدم ما دامت الحكومة الإسرائيلية الحالية في السلطة. لكن دحلان دعا في الوقت ذاته إلى تفادي العودة إلى العنف، اي إلى عسكرة الانتفاضة، داعيا إلى مقاومة شعبية بالوسائل السلمية للسياسة الإسرائيلية.
كان مهما ان يتفادى دحلان، الذي دخل رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) في خلاف معه، اي نوع من التصعيد مع الرئاسة الفلسطينية في الظروف الراهنة خصوصا. كان واضحا ان هناك رغبة في تجاوز الصغائر والانصراف إلى ما هو اهم من ذلك بكثير، اي مواجهة الاحتلال. في النهاية، لا وجود لمنطق من اي نوع كان للسياسة الإسرائيلية. لا بدّ للاحتلال من ان يزول حتى لو كانت الادارة الاميركية عاجزة عن تقديم اي دعم للشعب الفلسطيني وقضيته المحقة. المهمّ ان هناك قرارا فلسطينيا بعدم الاتكال على احد، بما في ذلك الولايات المتحدة. المهم عدم السقوط في فخ التصعيد والشعارات الفارغة التي تطلقها quot;حماسquot; ومن لفّ لفها. الفلسطينيون وحيدون في المواجهة. هذا صحيح. لكن الصحيح ايضا انهم بدأوا يدركون للمرة الاولى ان المقاومة السلمية وبناء مؤسسات الدولة هما السلاح الحقيقي في المعركة الحالية. من قال ان ليس لكل مرحلة سلاحها؟
التعليقات