سعيد الفرحة الغامدي
العمل الدولي على الدوام محفوف بالتعثّر ما لم يدرك مَن يمارسه أصول اللعبة، ويستفيد من نجاحات الآخرين، ومن إخفاقاتهم أيضًا. والمجموعة العربية بكاملها -جماعة وفرادى- لا تستطيع أن تدّعي لنفسها أي قدر كبير من النجاح، وأكبر دليل على ذلك فشلها في توظيف إمكاناتها الهائلة لنصرة القضية الفلسطينية، واستمرار العدو الصهيوني في التلاعب، وإفشال أية محاولة عربية للتصدّي لمخططاته العنصرية المخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية.
وفي منظمة الفيفا التي تجمع كل دول العالم المهتمة والمشاركة في الأنشطة الرياضية، تلعب السياسة والمال والدبلوماسية أدوارها المعروفة، والذي لا يجيد أصول اللعبة سيظل على هامش صناعة القرارات في ذلك التجمع الأممي. ومن حسن الطالع أن الفيتو المهيمن على نظام الأمم المتحدة ليس له مكان في كرة القدم، والألعاب الرياضية الأخرى، والفيصل الأداء على أرض الملعب باليد، والرجل، والرأس، والذكاء. وقطر البلد الخليجي الصغير بمساحته، وعدد سكانه، الكبير بطموحاته استطاع أن يخترق الصفوف، ويتقدم، ويحاور، ويناور، ويوظف ما تيسر له من الإمكانات المادية والدبلوماسية والحوارية؛ لينافس دولاً عظمى ويفوز، الأمر الذي استفز الكثيرين من المنافسين مثل أمريكا وغيرها امتعاضًا من إخفاقهم، ومن فوز قطر الدولة الوحيدة التي تحظى بشرف استضافة كأس العالم لكرة القدم عام2022م. وهذا الفوز والتشريف يُعدُّ مكسبًا كبيرًا لكل العرب، عبّرت عنه كل الدول، وكل شعوب المنطقة بدون استثناء، وهو علامة جديدة على طريق العمل الجاد في المحافل الدولية عندما تتوفر الإرادة والإمكانيات والنوايا الصادقة والفعل الذكي.
إن تجربة قطر حديثة وجريئة وجديرة بالاهتمام، فالكل يعلم الزلزال الذي أحدثته قناة الجزيرة -نسبة إلى جزيرة العرب- وتوقيت مكة المكرمة إجلالاً لمكانة مكة أم القرى عند كل المسلمين، عندما بدأت البث في وحول الإعلام المتمترسة خلف ذرائع الموروث والخوف من كل جديد، ولكنها أحدثت نقلة نوعية قلبت المقاييس، وفتحت الأبواب لإعلام أكثر جرأة وشفافية وملامسة لحاجات المجتمع العربي والخليجي بصفة خاصة، ولكنها أيضًا رفعت من سقف التحديات للإعلام الغربي، وأبرزت المنطقة على الشاشة الفضية بكل أبعادها التاريخية والدينية وتناقضاته السياسية، حيث فتحت باب الحوار ونبش ملفات الماضي والإفصاح عن بعض الأمور التي كانت في كواليس الكتمان لدى الخاصة، والحيرة في أذهان العامة.
قطر بدون شك بلد صغير جغرافيًّا، وثري ماديًّا، ولكنه ذكيٌّ سياسيًّا، يتحرك بسرعة، ولا يخشى الفشل. حسبه في كل ذلك أن يحاول ويجتهد فإن أصاب فله ما أصاب، وإن أخطأ فقد حاول نفض غبار التردد، ومَن لا يحاول لا تفوته فرصة النجاح. إن التجربة القطرية تستحق وقفة جادة للدعم أولاً، وللاستفادة من الأسلوب ثانيًا. وكم من قائل إنها عقدة الصغار التي تدفع لمقارعة الكبار، وإذا كان النجاح يقتضي هذا النوع من المراس لِمَ لا؟ ونحن نمر بجمود على كل الجبهات يعيق حركة الكبير والصغير؟
ولعل الفترة الزمنية بين اليوم وعام2022م كافية لإعادة النظر في وسائل العمل العربي الموجّه للقضايا الكبرى من خلال الاستفادة من تجربة نجحت، وينتظر أن تكلل بنجاحات أكبر بعد عقد من الزمن عندما تكون الظروف مختلفة تمامًا عن الحال الراهن. ليس المهم حجم الحيز الجغرافي، والعدد السكاني، ولكن المهم العقل، ومعرفة أصول اللعبة، واستغلال الفرص من أجل الفوز، وتغيير سير الأمور في المياه الراكدة. فإلى الإمام يا قطر الكبيرة بفوزها.. وإلى يقظة مستصرخة.. حان موعدها أيُّها العربُ!
التعليقات