عبير بشير

جاء إعلان إدارة الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; عن تخليها عن مساعيها لإقناع إسرائيل بتجميد الإستيطان، والذي سبقه، تلويح الرئيس quot;محمود عباسquot; بحل السلطة وإنهاء الحكم الذاتي في الأراضي الفلسطينية، في حال فشلت الجهود الأميركية لإحياء عملية السلام - ليصبّ الزيت على النار - ويعزز مخاوف quot;الأردنquot; من تداعيات تبخر مشروع quot;حل الدولتينquot; على مستقبله وكيانه. فكلما تعثر الحل السلمي في الشرق الاوسط، وتأزم مسار المفاوضات، تزداد خشية الأردن من أن تتحمل أوزار تصفية القضية الفلسطينية، ويطل شبح quot;الخيار الأردنيquot; برأسه، ومعه تسقط مقولة مهندس اتفاقية وادي عربة quot;عبدالسلام المجاليquot; عند توقيع الاتفاق: quot;اليوم ندفن مشروع الوطن البديلquot;.
وتتقاطع الهواجس الأردنية بشدة مع ما صرح به السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة quot;جون بولتونquot; الذي أعلن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة - من أن خيار الدولتين قد فشل وأن تحقيق أي تسوية واقعية في الشرق الأوسط تتضمن إعادة قطاع غزة إلى مصر والضفة الغربية إلى الأردن.
ولم يخف العاهل الأردني قلقه الشديد من أن استمرار الاستيطان في الضفة وسياسة قضم الأراضي وابتلاعها، سيقضيان على أي فرصة حقيقية لقيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، كما سيشرع الأبواب أمام إحياء مشروع quot;الخيار الأردنيquot; الذي يؤكد رفضه القاطع له، مشددا على أن قبول بلاده لهذا quot;الخيارquot; يعني انتحارا سياسيا بامتياز، بينما وزير خارجيته السابق مروان المعشر يعتبره quot;خيانة quot;، لأنه لا مصلحة للأردنيين في أن يتحولوا إلى أقلية في بلادهم.
وتنظر إسرائيل إلى quot;الخيار الأردنيquot; على أنه فرصة ذهبية لتصدير المعضلة الديموغرافية الفلسطينية إلى الأردن - وذلك عبر ضم ما تبقى من الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية وتحميلها المسؤولية الأمنية والإدارية عنها - ووفقا للرؤية الإسرائيلية المقلوبة - فإن مساحة الأردن شاسعة وسيكون مهيئاً لاستقبال ملايين اللاجئين الفلسطينيين من دول الشتات، إضافة إلى توطين الفلسطينيين المقيمين لديه.
ورغم تطمينات الإدارات الأميركية المتعاقبة، والصالونات السياسة للأردن، بأنه حليف كبير لا يمكن التفريط به، أو تعريض وجوده ومصالحه للخطر، وان خيار حل الدولتين هو خيار إستراتيجي للولايات المتحدة وليس تكتيكيا، إلا أن غالبية الشارع الأردني والنخب السياسية والفكرية فيه لا يثقون بهذه الوعود.
وشكل بيان المتقاعدين العسكريين الأردنيين الغير مسبوق - حدثا استثنائيا، إذ حذر البيان من انصياع الأردن إلى الضغوط الدولية التي تهدف إلى توطين ملايين اللاجئين الفلسطينيين فيه، وتعهد بالحفاظ على الهوية الأردنية، وإحباط مؤامرة quot;الوطن البديلquot;.
ويخشى الأردنيون من أن تؤدي صيغة quot;الوحدةquot; بين الضفة الشرقية والغربية بغياب الدولة الفلسطينية المستقلة إلى أن يتحول الفلسطينيون إلى أكثرية، تذوب معها الكيانية الأردنية وتؤدي إلى تقاسم وظيفي في مفاصل الدولة والسلطة، ومعهما المؤسسة الأمنية والعسكرية - رغم إقرارهم بعمق العلاقة والصلات التي تربط بين الشعبين الاردني والفلسطيني جغرافيا وتاريخيا وديموغرافيا وتداخل نسيجهم الاجتماعي والإقتصادي -. فيما ترفض القيادة الأردنية الحديث عن الكونفدرالية - بأي شكل من الأشكال - مع الضفة الغربية قبل قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة.
وتبدو السلطة الفلسطينية وحركة فتح مذهولتين من التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن إحياء quot;الخيار الأردنيquot;، كأحد السيناريوهات المطروحة للخروج من الدائرة المغلقة للقضية الفلسطينية، إلا انها ترفض التعليق على هذا الموضوع بصورة علنية نظرا لحساسيته، وتفضل التعامل معه بهدوء عبر القنوات الديبلوماسية.
ويرى المراقبون أن هناك انقلابا حقيقيا في الموقف الأردني الرسمي من عودة الكونفدرالية مع الضفة، ففي حين كان الراحل الملك حسين من اشد المتحمسين لصيغة الوحدة مع الضفة - رغم قراره فك الإرتبط معها عام 1988م - وذلك بسبب طموحه التاريخي الذي ينبثق من كونه وريثا للسلالة الهاشمية، وحفيدا للشريف quot;حسينquot; الذي عمل على إقامة quot;الدولة العربية الكبرىquot;، إلا أن خليفته الملك عبد الله، تخلى عن هذه الفكرة بسبب التغيرات الإقليمية الكبرى، وترجيح الواقعية السياسية عما سواها.
وليس فقط الأردن هو من يدرك ضرورة التحرك السريع عربيا ودوليا لإنقاذ الوضع في المنطقة قبل أن ينفجر نهائيا، فقد صرح وزير الخارجية المصري quot;ابو الغيطquot; بأنه يجب الاتفاق على انهاء اللعبة في عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، وذلك من خلال اتفاق المجتمع الدولي وفي مقدمه اللجنة الرباعية على صياغة وثيقة إطار تتضمن عناصر التسوية بين الجانين، كأساس للمفاوضات ضمن فترة زمنية محددة تنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة.