عبد الرحمن الراشد
لم يمر سوى عام فقط على حل مجلس الأمة الكويتي، وانتخاب بديل له. حل بسبب أزمة، وهو اليوم في أزمة أخرى. وإذا كان هناك شبه اتفاق على أن الحياة البرلمانية في الكويت أكثر حيوية من معظم المؤسسات التشريعية العربية الأخرى، فإنها تتفق مع مثيلاتها في النتيجة. ما الذي فعلته المؤسسة التشريعية الكويتية في نحو عشرين عاما، منذ تحرير الكويت؟ الكثير من الاستجوابات والمعارك الكلامية والقليل من التغيير والتطوير، وكان اللوم عادة يوجه إلى أعضاء مجلس الأمة، حيث تفشت بينهم الخصومات حول العمل الجماعي الإيجابي.
لكن الأزمة الأخيرة تلام عليها الحكومة، لأن الاعتداء على البرلمانيين عمل سلبي ونادر في أي مكان في العالم، هؤلاء يفترض أنهم انتخبوا ممثلين لشعبهم، ويتمتعون بحصانة أقرتها الدولة. وفوق هذا، عملية الاعتداء واستخدام القوة أسلوب لا ينسجم مع الشخصية الكويتية التي عرفناها بأنها أكثر انفتاحا وتسامحا، برموزها البرلمان والصحافة والديوانيات. ما الذي يخيف الدولة من اجتماع في الهواء الطلق لبضعة برلمانيين؟ حتى وإن كان النظام ينهى عن التجمهر، فإن الاعتداء بقوة الأمن يعني خروجا عن المألوف كويتيا، وإذا كانت الدولة قد قررت نزع قفازاتها وشربت حليب السباع واختارت الخروج إلى الشارع وتحدي المعارضة، فإن المعركة الكبرى التي تستحق الضرب والدم هي إصلاح النظام الكويتي، وتحديدا الإصلاح الدستوري، فهو الأولى وأهم بكثير من فض اجتماع هامشي.. هي إعادة صياغة النظام البرلماني الكويتي من أجل إعطاء فرصة أكبر للحكومة حتى تعمل وتحاسب، لا أن تلاحق بشكل دائم، حيث إنه، بحسب النظام الحالي، يكفي لثلاثة برلمانيين فقط استدعاء أي وزير واستجوابه، ومن خلال الاستجوابات يمكن محاصرة الحكومة وإفشالها. وهذا سبب من أسباب التأزم الدائم في الكويت، منذ عقدين تقريبا. معركة الإصلاح الدستوري أولى من ضرب نواب المعارضة في الشوارع الخلفية للبرلمان. لقد خسرت الحكومة بضرب النواب، رغم أن أمير البلاد أعلن تحمله لمسؤولية الحادثة، وحاول فك الاشتباك بتدخله شخصيا.
البرلمان الكويتي، وإن كان يمارس حقوقه المعطاة له وفق الدستور، أصبح سلطة لتقييد الحريات، ومسرحا للتحريض الطائفي، ومدخلا لتعطيل المشاريع الحكومية بسبب الخصومات التي لا تنتهي. لقد جربت الدولة علاجات شكلية، فمثلا تكبير الدوائر الانتخابية قامت بتقليص عددها، ومنع التجمعات خارج قبة المجلس، وحتى حل المجلس، وجميعها لم تحقق الكثير. ربما حان وقت النظر إلى تكبير دور الدستور لحماية الحريات، من المتطرفين، وحماية حقوق الأقليات، وإعطاء الحكومة فرصة للعمل دون تعطيل الحق الرقابي لمجلس الأمة.
التعليقات