عبد الرحمن الراشد


هذه العبارة لرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض وأغاظت عددا من قادة السلطة الفلسطينية. قالها معترضا على الدعاية التي تحاول أن تضخم أهمية الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية لا سيادة لها، وحينها كان الرئيس محمود عباس يحتفل باعتراف أربع دولة لاتينية بفلسطين.

نحن هنا أمام مدرستين في رام الله، عاصمة السلطة الفلسطينية الحالية. مدرسة فياض ترى أن الأهم إقامة مؤسسات فلسطينية على الأرض تجعل الدولة عملية وجاهزة وأمرا واقعا على العالم أن يعترف به. وهناك المدرسة الثانية، التي ينتمي إليها معظم العاملين في القطاع السياسي الفلسطيني، والتي تؤمن بتقديم الحل السياسي والبقية تأتي لاحقا. والحقيقة أن كلا الحلين يكمل أحدهما الآخر، فما قيمة اعتراف بدولة كرتونية لا مؤسسات فيها ذات سيادة، أو كما وصفها فياض بميكي ماوس؟ وما قيمة بناء مؤسسات فلسطينية بلا دولة؟

الاحتفاء الواسع باعتراف الدول اللاتينية الأربع بدولة فلسطين أمر رمزي ودعائي، لأنه بالفعل لا يعطي السلطة الفلسطينية شرعية دولية ولا يفرض حلا سياسيا. معظم دول العالم اعترفت بفلسطين منذ سنوات بعيدة، ومع هذا لم يترجم الحشد الدبلوماسي المؤيد إلى حل سياسي ولم تقم الدولة الموعودة. فلسطين إلى اليوم مجرد لوحة مراقب ضيف في الأمم المتحدة. المسألة نوعية، فاعتراف خمس دول ثابتة في مجلس الأمن أهم من اعتراف مائة دولة أخرى.

القيادة الفلسطينية تتنازعها عدة اعتبارات بعضها حقيقي، مثل المفاوضات وإدارة الدولة، وجزء منها دعائي كالذي نمضي معظم وقتنا نستمع إليه من جدل سياسي.

ومسؤولية القيادة الفلسطينية كبيرة في أن تقود العالم إلى الاعتراف الشامل بها.

فهي تبني الوضع على الأرض باتجاه إقامة الدولة، كما تفعل الحكومة حاليا، لأنها تحتاج إلى اعتراف الفلسطينيين بها قبل اعتراف البرازيل وباراغواي. وفي نفس الوقت تريد مساعدة الخارج سياسيا. كيف لها أن تبتعد عن المزالق العربية والإيرانية التي تريد استخدامها في أغراضها؟

الحقيقة أن المجموعة العربية مضت بعيدا في مساندة السلطة الفلسطينية، وأسهمت في المحافظة على شرعيتها وكيانها ضد الهجمة الإسرائيلية المستمرة، وكذلك أنقذتها بعد الضربة القاصمة من حركة حماس التي انشقت عليها ونازعتها على الشرعية، فقد ساندت معظم الدول العربية أحقية السلطة بقيادة محمود عباس وهمشت حكومة حماس.

اعتراف منح السلطة في رام الله كل التحويلات المالية المقررة، واعتراف بأختامها وتأشيراتها وتعاملاتها، ولا يزال العالم يستقبل أبو مازن رئيسا بناء على ذلك. لكن لا أعتقد أن القيادة الفلسطينية أدارت معاركها السياسية بشكل ناجح، مما مكن حكومة نتنياهو من رفع شعبيتها والتنصل من التزاماتها. ومهما قلنا عن التخاذل الأميركي، وهو صحيح أيضا، فإن إدارة الجانب الفلسطيني كانت مليئة بالأخطاء، وإن لم تكن أخطاء فهي حالة هروب من المسؤولية خشية مواجهة الخصومات العربية.

لن يكون هناك اعتراف دولي كامل، ودولة حقيقية، لا ميكي ماوسية، بدون قيادة واثقة ومستعدة لإكمال الطريق. كما أن بناء الدولة من الداخل، دولة مؤسسات تخدم شعبا، لا دولة تخدم فقط موظفي منظمة التحرير، هو الذي سيمنح السلطة غدا الثقة في إكمال الطريق عندما يتطلب الأمر اتخاذ قرارات صعبة تحتاج إلى تأييد شعبي.