إياد الدليمي

قدم نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي للمرة الثانية على التوالي أسماء حكومته إلى مجلس النواب العراقي يوم الثلاثاء الماضي ونالت الأسماء المقدمة ثقة الأعضاء البرلمانيين دون أي اعتراض ووفقا لما تم الاتفاق عليه من قبل بين رؤساء الكتل البرلمانية.
ولعل نظرة سريعة إلى الأسماء المقدمة للوزارة الجديدة تجعل المراقب يجزم وبما لا يقبل الشك أن الحكومة الجديدة هي امتداد لحكومات المحاصصة الطائفية والحزبية التي سادت عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، بل إن هذه الحكومة تتفوق حتى على حكومة المالكي السابقة من جهة الأسماء المرشحة لشغل الوزارات.
الأسماء الجديدة التي ضمتها تشكيلة المالكي الوزارية خضعت لأهواء الكتل السياسية الكبرى قبل أن تخضع لمفهوم الكفاءة التي طالما نادى بها نوري المالكي وطالب الكتل باحترامها، فلقد رُشح أشخاص لتولي وزارات مهمة في البلاد دون أدنى خبرة سابقة، بل ولا حتى مؤهل جامعي عالٍ يمكنهم من إدارة تلك الوزارات المهمة التي كان على الأقل بعضها في الحكومة السابقة قد أسند لأصحاب الكفاءات العلمية.
فليس مستغربا أن تجد علي الأديب، السياسي البارز في حزب الدعوة بزعامة المالكي وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، دون أي مؤهل علمي يمكنه من إدارة مثل هذه الوزارة المهمة، بينما كانت هذه الوزارة الحيوية في حكومة المالكي الأولى بعهدة عبد ذياب العجيلي الأكاديمي العراقي صاحب التاريخ العلمي الطويل والأقدر على التعامل مع موضوعات حساسة كالتي تفرزها إدارة وزارة بحجم التعليم العالي والبحث العلمي.
وكذا الحال ينطبق على وزارة الثقافة التي أسندت إلى سعدون الدليمي، الذي يتذكره العراقيون جيدا إبان حكومة إبراهيم الجعفري، ويتذكرون تصريحه الشهير عندما هدد أهالي هيت والقائم بأن منازلهم سوف تهدم عليهم إذا ثبت أنهم يخبئون الإرهابيين، فهل يعقل أن شخصية بهذه الحدة في التعامل -وسبق أن كانت يده على زناد البنادق- أن يغير جلده ويمسك قلم الثقافة؟
الأكيد أن المالكي، والذي اعترف بذلك بعظمة لسانه، كان واقعا تحت ضغوط الكتل السياسية، التي تجرأ بعضها من أصحاب المقعد البرلماني الواحد في المطالبة بحقيبة وزارية، وقطعا كلام المالكي لم يأت من فراغ، ناهيك عن أنه تكرار لذات الكلام الذي قاله عندما قدم تشكيلة حكومته الوزارية عام 2006.
السؤال الأهم، متى سيتخلص رؤساء الحكومات المكلفون في العراق من ضغط الكتل البرلمانية؟
إن قراءة لما تسير عليه خطوات تشكيل الحكومات العراقية منذ أول حكومة برئاسة إياد علاوي، وحتى حكومة المالكي الثانية، تؤكد أن هناك واقعا يُفرض على العراقيين وليس على الكتل السياسية التي تدعي تمثيلهم، وهو أن الأساس في كل حكومة هو إرضاء الجميع والخروج من نفق تشكيل الحكومة، أية حكومة، بصفر من المعارضة داخل البرلمان.
وهنا لا بد لنا من الإشادة بموقف الحزب الإسلامي العراقي الذي كان قد تحالف سابقا مع ائتلاف وحدة العراق وشكّل كتلة عرفت باسم الوسط، فلقد اعتذر الحزب عن تولي أية وزارة في الحكومة الجديدة، وفضّل أن تسند الوزارة المخصصة له إلى حليفه، ائتلاف وحدة العراق، فالحزب الإسلامي الذي عرض عليه المالكي وزارة الثقافة، يدرك جيدا أنه أُعطي الوزارة الخطأ، وسوف يتحول أي مرشح من قبله لشغل هذه الوزارة إلى هدف لأقلام الكتاب والمثقفين العراقيين الذي كانوا قد طالبوا بأن تسند هذه الوزارة إلى شخصية ثقافية مستقلة وأن تكون خارج نظام المحاصصة.
مرة أخرى، المحاصصة شكلت حكومة المالكي الثانية، وحتى إن سعى البعض إلى إطلاق تسمية المحاصصة السياسية عليها، إلا أن واقع الحال يشي بغير ذلك، وعليه فلا يبدو أن حكومة بلا معارضة برلمانية ستكون قادرة على خدمة العراقيين في هذه المرحلة الحساسة من تاريخهم.