أسعد عبد الرحمن

في العام 1943، حين اجتمعت وفود (32) منظمة يهودية في الولايات المتحدة الأميركية لتقرير الدور الذي ستقوم به الجماعة اليهودية الأميركية لإقامة الدولة الصهيونية في فلسطين، تمخض الاجتماع عن إنشاء quot;المؤتمر اليهودي الأميركيquot;. منذئذ، تركز الأضواء على دور اللوبي اليهودي الذي يؤثر كثيرا في صياغة سياسة الولايات المتحدة نحو الشرق الأوسط، بل تم تأسيس quot;رابطة مكافحة التشهير (باليهود)quot; وهي لوبي يهودي أميركي يضم متطرفين يؤيدون كل حكومة إسرائيلية بما فيها حكومة اليمين المتطرف برئاسة (بنيامين نتنياهو) حيث تتعهد quot;الرابطةquot; دوما بتقديم مصلحة إسرائيل على مصلحة الولايات المتحدة.
ومع تعاظم معضلة القضية الفلسطينية، التي تصرّ الولايات المتحدة عن حق - اعتبارها مصلحة أميركية عليا، بات مشروعا أن نتساءل: لماذا لم ينجح حتى الآن مئات الآلاف من العرب الأميركيين من تشكيل لوبي عربي فاعل، يجاري، حتى لا نقول يوازي، قوة اللوبي اليهودي؟! لماذا لا نرى مقالات في الصحافة العربية والغربية تخاطب الشعب الأميركي مباشرة؟! وهل يمكن أن نرى quot;لوبيّاquot; عربيا في قادمات الأيام يملك القدرة على لعب دور إيجابي في عملية quot;التسويةquot;؟! وهل يمكن لهذا اللوبي أن يستفيد من تجارب نظيره الإسرائيلي في الولايات المتحدة؟! هل يمكن للوبي عربي أن يقيم جسور التفاهم والتعاون مع القوى اليهودية الأميركية المعتدلة لمقاومة التأثير السيئ والشرير للوبي اليهودي على السياسة الأميركية؟!
ومع حزننا على مجمل أوضاعنا، ومن ضمنها عدم تبلور quot;لوبي عربيquot; في واشنطن يملك قاعدة جماهيرية واسعة، يدعم الموقف الرسمي والشعبي العربي ويكون فاعلا في محاولة تغيير السياسة الاميركية بشأن الصراع في الشرق الأوسط، إلا أن هناك الآن فرصة حقيقية لنجاح هكذا لوبي، بعد أن أدرك العالم الغربي، ومن ضمنه الولايات المتحدة خطر التطرف اليميني الإسرائيلي على مصالحه في الشرق الأوسط. هذا النجاح يكون عبر الوصول لعقول وعواطف الأميركيين. يومئذ، سيرتفع صوت العرب الأميركيين في الداخل الأميركي، الذي خلا حتى وقت قريب من شخصيات تجرؤ على الاصطدام بالقوى الموالية لإسرائيل مثلما تجرأ وصمد كثيرون، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي الأسبق (جيمي كارتر)، أمام العاصفة الهوجاء من النقد وتلطيخ السمعة إثر نشره لكتابه quot;فلسطين: السلام وليس الأبارتهيدquot;.
نجاح اللوبي اليهودي لم يكن ليحدث فقط بسبب رغبة اليهود في التوحد بقدر ما كان نتيجة لنضج مؤسسات اليهود التنظيمي والسياسي. وفي السياق، فإن نظرة سريعة على المؤسسات والجمعيات الأميركية الداعمة للشعب الفلسطيني والرافضة للاحتلال تبين أن أمام العرب الأميركيين فرصة كبيرة لإنضاج لوبي فاعل عبر التنسيق وربما التوحد مع هذه المؤسسات والجمعيات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ثمة مؤسسات مثل: quot;اعملوا لوقف الحرب وإنهاء العنصريةquot; التي تأسست بعد هجمات أيلول 2001، وتعادي الصهيونية، وتتعاطف مع الفلسطينيين. ثم مؤسسة quot;العودةquot; وهي تحالف ينشط في الجامعات الأميركية، ويدافع عن حق العودة واللاجئين الفلسطينيين. كذلك، هنالك quot;مجلس العلاقات الأميركية الإسلاميةquot; الذي زاد نشاطه بعد أيلول 2001، الأمر الذي جعله هدفا للجماعات الصهيونية. يضاف إلى ذلك منظمة quot;لو عرف الأميركيونquot;، وهي منظمة أسستها الصحافية الأميركية (اليسون وير) التي زارت الضفة الغربية وقطاع غزة في 2001 ووجدت ان الحقائق على الأرض هي نقيض ما يسمع الأميركيون في بلادهم، وغيرها الكثير. وتزايد عدد هذه المنظمات والجمعيات، مما حدا بزعيم quot;رابطة مكافحة التشهير باليهودquot; (ابراهام فوكسمان) للتعليق على الأمر وإدراك خطرها بالقول: quot;هناك مئات الجماعات التي تشارك في نشاطات ضد اسرائيل، وقد حدّدنا أكبرها وأكثرها نشاطاquot;!!! في هذا المجال، تبرز quot;حركة التضامن الدوليةquot; التي أسسها عام 2001 نشطاء فلسطينيون وإسرائيليون كجماعة تعمل ضد التفرقة العنصرية (الابارتهيد) التي تمارسها اسرائيل ضد الفلسطينيين. ولربما تكون هذه من أهم المنظمات خاصة لجهة فضحها السياسة الإسرائيلية على الأرض عبر مشاركاتها الفاعلة في التظاهرات الأسبوعية في قرى الضفة ضد جدار الفصل العنصري. كما أن quot;الحملة الأميركية لإنهاء الاحتلال الإسرائيليquot; التي تنضوي تحتها 180 منظمة أميركية مناهضة للاحتلال منتشرة في أكثر من 32 ولاية أميركية، هي التي قامت - ضمن ما تقوم به - بتقديم خطاب للكونغرس الأميركي في 16 حزيران/ يونيو 2009 تطالب فيه بتجميد المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني أو تعليقها حتى قبول إسرائيل بما وصفته هذه المنظمات الـ 180 بشروط تخدم مصالح السياسة الأميركية.
كما يجب استثمار المؤسسات الإعلامية وثورة الاتصال والمعلومات التي باتت تسهل عمل جماعات الضغط السياسي والإعلامي. فعلى نحو معكوس، عندما ازداد سخط الرأي العام الأميركي من السياسات والممارسات الإسرائيلية الوحشية، سارع أنصار إسرائيل بإنشاء quot;اللجنة الطارئة من أجل إسرائيلquot;، التي ضمت أعضاء من التيار المحافظ الجديد والتيار اليمني الأصولي اللذين يؤيدان إسرائيل بشدة رغم اختلافاتهما الفكرية. ومن ضمن أهداف هذه quot;اللجنةquot; مهاجمة (إدارة أوباما) بسبب سياستها في التعامل مع إسرائيل, والتي يصفها أعضاء المنظمة بأنها quot;عدوانيةquot; بسبب مطالباتها القوية لحكومة نتنياهو بوقف وتجميد الاستعمار/ quot;الاستيطانquot;. ووفقا لموقع quot;اللجنةquot; على الإنترنت, يؤكد مؤسسوها على أن الهدف منها هو تعريف وتوعية الرأي العام الأميركي وتزويده بالمعلومات التي يحتاجها ليتأكدوا بأن المسؤولين المنتخبين من قبلهم يعملون على تقوية علاقات الولايات المتحدة بإسرائيل.
الكل يعرف ان السياسة الخارجية الاميركية هي انعكاس في معظم الاحوال لتأثير اوضاع السياسة الاميركية الداخلية ودور جماعات الضغط. لذا، فإن اي صانع قرار اميركي في البيت الابيض أو الكونغرس (أو حتى في أي جزء من العالم الغربي) لا يرى ضرورة لمراعاة خواطر العرب عند اتخاذ اي قرار بشأن المنطقة، في حين انه يهتم كثيرا ويحرص بشدة على ارضاء اسرائيل بل يبادر إلى اتخاذ قرارات وإصدار بيانات تؤكد المساندة والدعم والتأييد لها حتى لو استباحت الأرض الفلسطينية كلها. بالمقابل، في الولايات المتحدة آلاف الأكاديميين العرب وحملة الشهادات العليا يتبوأ الكثير منهم مراكز علمية وإعلامية مهمة، إضافة إلى الإمكانيات المادية والمساهمات المالية الكبرى للعرب في الجسم الاقتصادي والمالي الأميركي. وإذا أحسن استثمار هذا الوجود سياسيا سيكون له دور وتأثير فاعلان. فهل يتعظ العرب الأميركيون؟!! وقبلهم، هل يتعظ العرب الآخرون: حكومات وفعاليات؟!!