محمد الباهلي
على ضوء النماذج والأفكار والخطط التي طرحتها دوائر فكرية وسياسية غربية لإعادة النظر في الخريطة الحالية للعالم العربي، وبعض المشاريع ذات الصلة والتي ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، توقع البعض أن يأتي الدور على السودان، لاسيما وأن الإشارة إلى تقسيمه قد تكررت في الكثير من تلك النماذج والأفكار، ومنها وثيقة نُرشت عام 1982 في مجلة quot;كيفونيمquot; التي تصدر عن المنظمة الصهيونية العالمية، وقد ظهرت تحت عنوان quot;استراتيجية إسرائيل للثمانينياتquot;، وجاء فيها أن العالم العربي الذي تم تقسيمه في quot;سايكس- بيكوquot; إلى 19 دولة تتكون من خليط أقليات وطوائف مختلفة، تعادي بعضها البعض، كل دولة من دوله اليوم معرضة للتفتت العرقي والاجتماعي، والسودان أكثر دول العالم العربي والإسلامي قابلية للتفكك، إذ يتكون من أربع مجموعات سكانية كل منها غريبة عن الأخرى.
ولا غرو إن اهتمت quot;كيفونيمquot; بالسودان، وذلك باعتبار أهمية موقعه وحيويته الجيواستراتيجية، وما يمثله لأمن القرن الإفريقي ومصر والبحر الأحمر، وما يملكه من ثروات مائية وبترولية ومعدنية وغذائية هائلة. وهو أكبر الدول الإفريقية والعربية مساحة، ويمثل بوابة اتصال بين العرب وإفريقيا، كما يعد نافذة الإسلام إلى القارة السمراء.
وكان quot;أفي يخترquot;، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، واضحاً عندما قال: quot;كنا سنواجه مصاعب في الوصول إلى دارفور لممارسة دورنا دعماً لأميركا وأوروباquot;، مشيراً إلى أن تدخلهم كان بهدف quot;منع السودان من تعظيم قدراته لصالح القوة العربيةquot;.
ولاشك في أهمية جنوب السودان، فإلى جانب الثروة النفطية التي يمتلكها، فإنه يمثل خمس مساحة السودان، والمسلمون فيه يشكلون 17 في المئة من السكان والمسيحيون 18 في المئة، ويشترك في حدوده مع خمس دول إفريقية مسيحية. هذه الأهمية الاستراتيجية لجنوب السودان هي الدافع وراء تكثيف الجهود الغربية والإسرائيلية لفصله عن باقي السودان. ومن المتوقع أن ينجم عن انفصاله قيام تحالف إقليمي مناهض لأمن مصر والمنطقة العربية، وقد يدعم مطالب الانفصال في دارفور التي تشجعها قوى في الغرب.
بل الأخطر أن انفصال الجنوب السوداني سيصبح نموذجاً يثير التداعيات والمتاعب لدول عربية أخرى، حيث توجد أقليات عديدة في العالم العربي والإسلامي تنتظر ظهور مثل هذا النموذج. وكما لاحظ المحللون، فإن رعاة الانفصال عملوا منذ سنين طويلة لفصل جنوب السودان عن شماله، وذلك بخلق المشاكل الداخلية وإثارة النعرات والفتن الطائفية، ودعم الحركات الانفصالية بالمال والسلاح.
وفضلاً عن هدف الوصول إلى مناطق الثروة والتحكم فيها، كان هناك هدف آخر هو اجتثاث جذور العروبة والإسلام من ذلك الإقليم ووضع حاجز مانع أمام انتشار الإسلام في إفريقيا، والتحكم في مناطق استراتيجية تمس الأمن القومي المصري والعربي ككل. وذلك ما ذكره quot;يادلينquot; رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق عندما قال: quot;في السودان أنجزنا عملاً عظيماً للغاية، ونظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه، ودربنا الكثيرين، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية لمساعدتهم على تحقيق مثل هذا الهدفquot;.
وإذا كانت مبادئ الأمم المتحدة لا تمنح حق تقرير المصير إلا للبلاد التي كانت واقعة تحت الاستعمار، وكذلك مبادئ منظمة الوحدة الإفريقية التي شددت على عدم تغيير الحدود الموروثة عن الاستعمار... فإن العرب والمسلمين وحدهم يحرمون من حقهم في تقرير المصير، بينما يُعطى غيرهم حق تقرير مصيره ويجد الدعم والتأييد!
اقرأ المزيد : وجهات نظر | quot;سايكس -بيكوquot; السودان! | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=56725#ixzz19e6vPMD9
التعليقات