تنافس بين المعارضة والنظام في طهران على إرث الثورة media

أندرو باترز

تحتفل إيران في الحادي عشر من فبراير كل سنة بذكرى الإطاحة عام 1979 بنظام الشاه الذي كانت تسانده الولايات المتحدة، وتقام بهذه المناسبة عروض رسمية وجماهيرية كبرى تتخللها خطابات مناهضة لأمريكا، كما تشهد هذه الاحتفالات بعض الأسلحة الجديدة وأجهزة عسكرية برية وجوية حديثة.
غير أن الاحتفال هذه السنة يمكن أن يكون مختلفاً بسبب تنافس النظام مع حركة المعارضة الخضراء على إرث الثورة.
إذ يخطط ناشطو المعارضة للاستفادة من هذا اليوم في مواصلة الاحتجاجات التي كانت بدأت منذ انتخابات الرئاسة المتنازع حول نتائجها في يونيو الماضي، وذلك لأن زعماء هذه المعارضة وأنصارهم يرون أنفسهم ورثة النضال ضد الدكتاتورية في نهاية المطاف.
لكن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي حذر هؤلاء المعارضين من مغبة تعكير أو تخريب الاحتفالات الرسمية.
يقول ضابط الشرطة الجنرال اسماعيل أحمدي مقدم: لقد انتهت فترة التسامح وسوف نسحق أي شخص يحضر تجمعات المعارضة.

توسط

لكن وسط نُذر المواجهة التي باتت واضحة في الأفق، ثمة اتجاه في المعارضة على ما يبدو لتقصي إمكان التوصل لتسوية ما بين الجانبين. إذ تتركز الكثير من الآمال الآن على احتمال قيام الرئيس السابق أكبر هاشمي رافنسجاني بالتوسط بين معسكري المعارضة وخامنئي لاسيما أنه يحاول اتخاذ موقف وسط بينهما.
ومن الملاحظ في هذا السياق أن واحداً من زعماء المعارضة على الأقل هو مرشح الرئاسة السابق مهدي كروبي كان قد تحدث علناً حول مثل هذا الاحتمال. ورغم أن الرئيس السابق أيضاً محمد خاتمي أنكر ان يكون قد وجه رسالة بذلك المعنى للمرشد الأعلى، إلا أن زعماء المعارضة الثلاثة: كروبي، خاتمي ومير حسين موسوي اعترفوا علناً بمحمود أحمدي نجاد رئيساً رغم قولهم إن عملية إعادة انتخابه تضمنت تجاوزات واسعة النطاق.
كما نأى هؤلاء الزعماء الثلاثة بأنفسهم بعيداً عن النداءات التي رددها المتظاهرون، ودعوا فيها للإطاحة بخامنئي وحكم رجال الدين.
لذا، يعتقد المراقبون ان هذه المؤشرات فتحت الطريق أمام المحافظين البراغماتيين في النظام للضغط من أجل المصالحة مع المعارضة.
حتى الآن لم يستجب خامنئي بعد، لكن أنصار الخط المتشدد في جناح اليمين سخروا من هذا الاتجاه. ومع ذلك، ثمة مؤشرات لاحتمال أن تنفتح الدولة عليه او تفتح ولو حيزاً ما للمعارضة.
ففي الأسبوعين الماضيين بث التلفزيون الرسمي سلسلة من البرامج سمحت لنقاد الرئيس أحمدي نجاد بالتعبير عن آرائهم بحرية.
وفي يناير الماضي اتهمت لجنة برلمانية مدعيا عاما في طهران سابقاً سعيد مرتزفي، وهو قاض متشدد سابقاً، بأنه مسؤول عن موت ثلاثة معارضين في السجن.
ومهما يكن الأمر، يبدو خيار التوصل للتسوية مع النظام شيئاً مفيداً لزعماء المعارضة.
فمن غير الواضح ما اذا كان بمقدور الحركة الخضراء الاستمرار في الصمود الى ما لا نهاية أمام بطش الدولة وقوتها الساحقة، وليس ثمة ما يشير الى احتمال أن يفقد النظام سيطرته على الشوارع.
وبالمقابل، يمكن أن يكون هناك ما يدفع خامنئي للتفاوض أيضاً. إذ أن سلطة المرشد الأعلى ترتكز على اساس اعتبار نفسه فوق مسألة اتخاذ القرار السياسي اليومي وما يتصل به من شجار داخلي.
لكن لما كان خامنئي قد أعلن أحمدي نجاد فائزاً في انتخابات يونيو قبل الانتهاء من فرز الأصوات، وأكد أنه يفضله، يكون بذلك قد انحاز لجانب دون آخر مما أضعف سلطته كقائد أعلى، وأضعف قدرته أيضاً على حل نزاعات النظام السياسي في البلاد، الأمر الذي جعل دوره هدفاً لانتقاد المحتجين.

مركز القوة

على أي حال، لابد أن تتطلب أية تسوية على الأرجح ضرورة ان يتحرك خامنئي ضد أحمدي نجاد، وأن يبادر سياسياً داخل النظام إما لإزاحته أو تقليص سلطته بدرجة كبيرة. ذلك أن زعماء المعارضة يخاطرون بفقدان مساندة أنصارهم في الشوارع إذا ما أظهروا استعداداً للتصالح مع أحمدي نجاد بعد الدم الذي أريق خلال الأشهر الستة الماضية. لكن هل يستسلم الرئيس نجاد أمام مثل تلك المحاولة؟
الحقيقة أن الكثير يعتمد على أين يقع مركز القوة في النظام، وهنا نلاحظ أن نجاد كان قد بذل الكثير من الجهود خلال فترة رئاسته الأولى لتعيين حلفائه ومؤيديه، ومعظمهم من الحرس الثوري والنخبة العسكرية، في مناصب كبيرة ومهمة بالدولة. ورد هؤلاء هذا الجميل بتنظيم حملات القمع بعد الانتخابات.
وربما يلجأ أنصار الخط المتشدد، القلقون الآن عن خطر الصراع الداخلي على النظام، الى إثارة صراع مع الغرب من اجل تأمين المبرر للقيام بإجراءات قمع أقسى في الداخل.
لكن من الواضح أن كل الأطراف تبحث عن مخرج من هذه الأزمة التي أسفرت عن اطول فترة اضطراب سياسي لم تعرف إيران مثيلاً لها منذ ثورة 1979.
أحد مذيعي التلفزيون الإيراني كان قد أعلن مؤخرا ان الكثير من الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات كانت نتيجة ليأس الشباب جنسياً مما يعني ان افضل وسيلة لحل الأزمة السياسية تكمن في العمل لتزويجهم.
ربما يبدو هذا الاقتراح طيباً لكل المعنيين بالأزمة، لكن من غير المرجح ان يتمكن الإيرانيون من تحقيقه سريعاً فلابد أن تشهد البلاد المزيد من الاضطرابات خلال الأشهر المقبلة قبل ان تظهر من وراء الكواليس السياسية النتائج المطلوبة.


تعريف نبيل زلف