سعد محيو

أي مستقبل ينتظر مسيحيي الشرق الأوسط العربي الإسلامي؟

هذا كان السؤال الرئيس الذي طرحته الوثيقة التمهيدية لمجمع أساقفة الفاتيكان (السنودس)، ثم أجابت عنه بطريقة فاجأت الكثيرين .

إذ هي بدلاً من دق أجراس الإنذار والدعوة إلى تدخلات خارجية لإنقاذ الأقليات المسيحية، خاصة في مصر ومنطقة الهلال الخصيب، دعت المسيحيين العرب إلى الالتحام بالأغلبية الإسلامية لمقاومة التطرف والتعصب الدينيين .

كما تضمّنت هذه الوثيقة التاريخية، التي حملت العنوان ldquo;الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: مشاركة وشهادةrdquo;، إشارة إلى الرسالة الرعوية الأخيرة لبطاركة الشرق الكاثوليك العام ،2009 والتي تحدثوا فيها عن ldquo;صعود الإسلام السياسي اعتباراً من السبعينات، بما فيه من تيارات دينية تريد فرض نمط عيش إسلامي على المجتمعات العربية والتركية والإيرانية وعلى كل من يعيش فيها من مسلمين وغير مسلمينrdquo; .

ولفتت إلى أن ldquo;التيارات المتطرفة تشكّل تهديداً للجميع، مسلمين ومسيحيين، وعلينا أن نواجهها معاًrdquo; . مواجهة مشتركة ضد المتطرفين .

هل دعوة السنودس هذه واقعية؟ كيف يمكن للأقليات المسيحية التي تتعرض هذه الأيام إلى التهجير والقتل في العراق وفلسطين، وإلى العنف في مصر، وإلى التهديد والوعيد في لبنان وسوريا، أن تفكر بالهجوم، وهي تصارع من أجل البقاء؟

الوضع يبدو صعباً بالفعل ل17 مليون مسيحي عربي، هم كل ما تبقى من المسيحيين المؤسسين الأوائل الذين انطلقوا من هذه المنطقة ليحوّلوا المسيحية إلى دين عالمي . بيد أن الصورة، على صعوبتها، قد تحمل تلاوين رمادية خارج الأسود والأبيض إذا ما نفّذ المسيحيون الشرقيون نصيحة السنودس وأدركوا أنهم ليسوا وحيدين في هذه المنطقة، خاصة حين يضعون في الاعتبار أن الأقلية الأصولية المتطرفة تستبيح في الدرجة الأولى دماء الغالبية المعتدلة التي تتهمها بالانحراف .

هذه نقطة، وثمة نقطة ثانية لا تقل أهمية: المسيحيون في الشرق لم يكونوا يوماً مجرد أقلية . فهم منذ أيام الإمبراطوريتين العباسية والعثمانية وصولاً إلى مرحلة النهضة الليبرالية العربية، ثم القومية العربية العلمانية، كانوا من بين أبرز قادة التحديث في الشرق الأوسط العربي، وهذا لأسباب كانت تعود في السابق إلى صلتهم الحميمة بالفكر الهيليني، ثم في الحاضر بالحضارة الغربية الحديثة . وبالتالي، قد لايكون وصف المسيحيين بالأقلية دقيقاً تماماً، إلا إذا أراد المسيحيون أنفسهم التخلّي عن دورهم التحديثي الريادي في المنطقة .

ما هو مطروح على مسيحيي الشرق الآن هو واحد من ثلاثة خيارات: إما الهجرة إلى المنافي، أو التقوقع في الداخل، أو الدور الريادي الفكري والحضاري وحتى السياسي . فأيّها سيختارون؟

الهجرة تبدو الآن الحل الأكثر تداولاً ورواجاً، يليه الحل التقوقعي، فيما الخيار التحديثي يحتل مراتب متدنية للغاية .

وهذا أمر مفهوم ومتوقع . فالأمن الشخصي والجماعي باتت له الأولوية الآن على الفكر والسياسة، خاصة مع تراجع التيارات الليبرالية الدينية والقومية الحديثة وتقدّم النزعات الانغلاقية العنفية والعنيفة . لكن، ولأن الأمر على هذا النحو، تكون مبادرة المسيحيين للانضمام إلى الغالبية الإسلامية التي كانت طيلة 1400 سنة، ولا تزال، مُعتدلة ومُتسامحة، هي الوسيلة الأهم وربما الوحيدة لتوفير الأمن .

هذا على الأرجح هو المضمون الحقيقي لوثيقة السنودس . وهذا بالتحديد ما يجعل هذه الوثيقة ليس تاريخية وحسب، بل عقلانية وواقعية أيضاً .