تغيير الوضع الحالي يثير قلق نظام دمشق رغم انفتاح واشنطن عليه

سورية تخشى من أن يدفع نشر الصواريخ الأميركية في الخليج إيران الى نقل التوتر إلى مناطق أخرى

بدء إيران في تخصيب اليورانيوم وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز يعني التصعيد المستمر

القاهرة - محمد عباس ناجي

دخلت أزمة الملف النووي الايراني مرحلة جديدة ربما تنتهي بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية. فقد بدأت ايران في تبني سياسة متشددة مع الغرب في برنامجها النووي. ففي مقابل المهلة التي حددتها الولايات المتحدة الأميركية لايران للرد على اتفاق quot;تبادل اليورانيومquot; والتي انتهت في 31 ديسمبر الماضي, منحت ايران بدورها مهلة الى مجموعة quot;5+1quot; انتهت بنهاية شهر يناير الفائت, لقبول عرضها المضاد لمشروع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتخصيب اليورانيوم الايراني في الخارج, قبل أن تبدأ التخصيب بنسبة 20 في المئة لاستخدام الوقود النووي في مفاعل طهران للأبحاث الطبية.
وقد بدأت ايران فعلا في تنفيذ تهديدها, حيث أعلنت عن بدء العمل على انتاج وقود مخصب بنسبة 20 في المئة باستخدام أجهزة الطرد المركزي, ملوحة بأنها لن توقف عمليات التخصيب قبل أن تتسلم الوقود النووي اللازم لتشغيل مفاعل الأبحاث في طهران. لكن الأهم من ذلك, هو أنها جددت تهديداتها مرة أخرى باتخاذ اجراءات رادعة منها اغلاق مضيق هرمز في حال تعرضها لضربة عسكرية, وهو ما جاء على لسان اللواء يحيى رحيم صفوي المساعد العسكري ومستشار المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية على خامنئي الذي قال, في 16 فبراير الحالي, أن ايران تسيطر على مضيق هرمز وأنها لن تتردد في اغلاقه اذا تعرضت لاعتداء.
هذا التصعيد الايراني سوف يدفع الغرب حتما في اتجاه تصعيد لهجته مع ايران والتفكير في استخدام الآلة العسكرية كخيار أخير لتسوية أزمة الملف النووي الايراني, لاسيما أن نجاح ايران في رفع نسبة التخصيب الى 20 في المئة, معناه تمكنها من تجاوز عقبات كثيرة في سبيل الوصول الى امتلاك السلاح النووي, لاسيما أن الوصول الى نسبة الmacr;20 في المئة يحتاج الى عام وما بين 1000 و1500 جهاز طرد مركزي, بينما الوصول الى نسبة الmacr;90 في المئة التي تتيح امتلاك القنبلة, يحتاج الى نصف عام فقط ومابين 500 و1000 جهاز طرد مركزي. زد على ذلك أن هذا التصعيد الايراني أنتج ضغوطا داخلية على الادارة الأميركية لدفعها الى تبني خطاب أكثر تشددا تجاه ايران, فضلا عن أنه زاد من نشاط جهود بعض المنظمات اليهودية لاقناع ادارة أوباما بالتخلي عن الأداة الديبلوماسية في التعامل مع ايران, التي رفضت كل المبادرات التي طرحتها واشنطن للتوصل الى تسوية سياسية للأزمة.
من هنا يمكن تفسير التصعيد الأميركي الأخير ضد ايران والذي بدا جليا في مؤشرات ثلاثة: أولها, التحول الملحوظ في سياسة ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ازاء ايران والذي انعكس في خطاب quot;حالة الاتحادquot; في 28 يناير الفائت, حين حرص أوباما على التشدد تجاه ايران, بتحذيره قادة ايران من مواجهة عواقب متزايدة لتصرفاتهم فيما يواصلون تجاهل التزاماتهم, مشيرا الى أن quot;الجهود الديبلوماسية ساهمت في تعزيز قبضتنا في التعامل مع تلك الدول التي تصر على انتهاك الاتفاقات النووية في سعيها للحصول على مثل هذه الأسلحة النوويةquot;.
وثانيها, التحذيرات التي وجهها العديد من القادة العسكريين الأميركيين وعلى رأسهم قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس لايران من مغبة تصعيدها في الملف النووي. حيث قال بترايوس أنه سيكون من غير المقبول تماما ألا تفكر القيادة الأميركية الوسطى المسؤولة عن المنطقة في سيناريوهات محتملة وأن تضع خططا للرد على مجموعة متنوعة من الأوضاع الطارئة في ايران, مشيرا الى أن قصف منشآتها النووية quot;ممكن بالتأكيدquot;.

أما المؤشر الثالث والأهم فهو اعلان واشنطن عن احتفاظ البحرية الأميركية بسفينتين حربيتين على الأقل ترابطان دائما في مياه الخليج العربي, وهما مزودتان بأنظمة quot;ايجيسquot; للدفاع الصاروخي الى جانب ثماني بطاريات صواريخ من طراز quot;باتريوتquot; في أربع دول في المنطقة هي: قطر والامارات والكويت والبحرين, بواقع بطاريتين في كل دولة.

سورية ومخاطر الحرب
هذه التطورات في مجملها كانت محط اهتمام ودراسة داخل دوائر صنع القرار في سورية التي بدأت في التحرك من أجل مواجهة التداعيات المحتملة لهذا التوتر المتصاعد بين ايران والغرب. ورغم أنها سارعت الى ابداء دعمها لايران بعد نشر أنظمة الصواريخ الأميركية في الخليج, مؤكدة على لسان وزير دفاعها العماد علي حبيب أن quot;العدو واحد وهو يستهدف ايران وسورية وفصائل المقاومةquot;, الا أنها تعتقد أن هذه الخطوة الأميركية معناها احداث خلل هائل في موازين القوى الاقليمية في منطقة الخليج لغير مصلحة حليفتها الستراتيجية ومصدر دعمها الأساسي ايران, بما يمكن أن ينتج تداعيات سلبية عديدة على مصلحتها.
أول هذه التداعيات, هو احتمال انفلات الأوضاع في المنطقة باتجاه الحرب, حيث يمكن أن يغري هذا الخلل العديد من القوي, لاسيما اسرائيل, لشن ضربة عسكرية ضد ايران, وهو ما يمكن أن يحدث نتائج صعبة الاحتمال منها على سبيل المثال سقوط النظام الايراني الذي يواجه أزمة داخلية طاحنة بفعل الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 12 يونيو من العام الماضي, فضلا عن حالة الاستياء الشعبي العام نتيجة الأزمة الاقتصادية التي فشلت الاجراءات الحكومية في الوصول الى حلول فعالة لها أو على الأقل تقليص حدتها, وهنا ستجد سورية نفسها من دون حليفها الذي استطاعت من خلاله استيعاب الضغوط التي تعرضت لها في الفترة الأخيرة, قبل أن تبدأ الولايات المتحدة وبعض القوى الاقليمية الأخرى في الانفتاح عليها من جديد بهدف فك ارتباطها بايران والمنظمات الراديكالية في كل من لبنان وفلسطين فضلا عن حلحلة بعض الأزمات الاقليمية في المنطقة لاسيما في العراق ولبنان.
بعبارة أخرى, تعي دمشق جيدا أن ايران هي ورقتها الرابحة في مواجهة خصومها, ومن ثم فان فقدانها يعني امكانية عودة أزمة دمشق مع المجتمع الدولي الى مربعها الأول وتقليص أهمية دورها الاقليمي الذي تعول عليه بعض القوى الدولية في العديد من الملفات الشائكة. وقد بدا ذلك جليا في الزيارة الأخيرة التي قام بها مسؤول الملف النووي الايراني في الادارة الأميركية ويليام بيرنز الى دمشق في 17 فبراير الحالي, والتي تعمدت الولايات المتحدة أن تتزامن مع قرار تسمية سفيرها الجديد في دمشق روبرت ستيفن فورد, وهو أول سفير أميركي في دمشق منذ سحب السفيرة الأميركية في فبراير 2005, في اشارة لها مغزاها, مفادها أن عودة الدفء للعلاقات بين سورية والولايات المتحدة مرتبط في المقام الأول بتقليص علاقات دمشق مع طهران أو على الأقل عدم وضع عراقيل أمام الجهود الأميركية لفرض عزلة اقليمية على ايران بسبب طموحاتها النووية, فضلا عن اغلاق الطريق أمام امدادات السلاح الايرانية لmacr;quot;حزب اللهquot; في لبنان.
وبالطبع فان الانفتاح الدولي والاقليمي على دمشق لا يخلو بدوره من مصالح مهمة للأخيرة يمكن حصرها في اثنتين: الأولى, تدعيم مساعي دمشق لاجراء مفاوضات مع اسرائيل لاستعادة الجولان بالاستعانة بجهود الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا تحديدا, وهو ما أكد عليه الرئيس السوري بشار الأسد خلال لقائه مع بيرنز بقوله ان على الولايات المتحدة اتخاذ سياسات تدفع باسرائيل للقبول بمتطلبات السلام. والثانية, تحاشي امكانية مواجهة شبح تأسيس محكمة دولية جديدة للتحقيق في جرائم العنف في العراق, بعد أن طالبت الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي بذلك للكشف عن المتورطين في العمليات الارهابية التي شهدها العراق في أغسطس الماضي, واتهمت بغداد فيها عناصر بعثية قادمة من سورية.
وثانيها, أن من شأن هذا الخلل الستراتيجي في المنطقة تدعيم قوة ومكانة بعض القوى الاقليمية في المنطقة خصوصا السعودية, وهو ما لا تراه دمشق في غير مصلحتها, رغم التقارب الملحوظ في العلاقات بين الطرفين والذي دشنته المصالحة الشهيرة بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد في القمة الاقتصادية العربية الأولى التي عقدت في الكويت في 19 يناير العام 2009 .
اذ ان دمشق تضع في اعتبارها أن السعودية احدى أهم أعضاء ما يسمى quot;محور الاعتدالquot; الذي حاول تضييق الخناق عليها في السابق لفك تحالفها مع ايران, وبالتالي فان تحولها الى قوة اقليمية كبرى في المنطقة يمكن أن يخصم من مكانة دمشق, ويضيق من حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامها, وهو ما قد يجبرها على تقديم تنازلات في العديد من الملفات الشائكة التي تعتبر فيها رقما مهما ولاسيما الملفين العراقي واللبناني.
هذه المخاوف السورية تكتسب وجاهتها مع الوضع في الاعتبار دخول العلاقات بين ايران والسعودية مرحلة من التوتر والاحتقان الشديد بسبب التباين في مواقف الطرفين تجاه العديد من الملفات الاقليمية, فضلا عن الاتهامات التي أطلقها أطراف ايرانية للسعودية بدعم المعارضة الداخلية ضد النظام الايراني, والمشاركة في الجهود الدولية لحصار ايران من خلال مساعدة الولايات المتحدة على خطف العالم النووي الايراني شهرام أميري خلال تأديته مناسك العمرة, والذي يبدو أنه كان وراء المعلومات التي كشفتها أجهزة الاستخبارات الغربية حول المنشأة النووية في مدينة قم والتي وضعت ايران في موقف حرج مع الغرب ودعمت جهود واشنطن لتكوين حشد دولي لفرض عقوبات عليها بحجة عدم تعاونها بشفافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وثالثها, أن ذلك يدعم مصالح مصر التي تتسم علاقاتها مع سورية بالتوتر المستمر, خصوصا في ملف المصالحة الفلسطينية, وقد بدا ذلك جليا في الفترة الأخيرة, من خلال تدخل السعودية لقطع الطريق على المساعي التي بذلتها سورية لعرقلة الجهود المصرية لتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية, عن طريق محاولة تنظيم لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ورئيس المكتب السياسي لحركة quot;حماسquot; خالد مشعل في دمشق, حيث طلبت السعودية من مشعل خلال زيارة الأخير الى الرياض, والتي تمت بضوء أخضر سوري بعد ترطيب الأجواء بين الرياض ودمشق, بأن يتم توقيع الاتفاق في القاهرة, كما دعت أبو مازن الى عدم اهدار الجهود المصرية بتوقيع الاتفاق خارج القاهرة.

اتفاق خفي بين ايران وquot;حزب اللهquot;
الأهم من ذلك, هو أن سورية تخشى من أن يؤدي نشر الصواريخ الأميركية في الخليج الى دفع ايران الى نقل التوتر لمناطق أخرى من خلال تسخين الساحة اللبنانية بالاتفاق مع quot;حزب اللهquot;, وهو ما بدا جليا في حرص كل من ايران وquot;حزب اللهquot; على التصعيد ضد اسرائيل بشكل متزامن, حيث أكد الرئيس الايراني أحمدي نجاد على أن quot;اسرائيل تستعد لشن حرب في الربيع أو الصيفquot;, مشيرا الى أن quot;المقاومة ودول المنطقة ستسحقهمquot;, فيما هدد الأمين العام لmacr;quot;حزب اللهquot; السيد حسن نصر الله اسرائيل بقصف بنيتها التحتية, اذا هاجمت لبنان, مؤكدا أن الحزب يملك القدرة على ذلك, وأنه لا يريد الحرب, لكنه سيرد على التهديد بالتهديد.
خشية سورية من هذا السيناريو نابعة من اعتبارين: أولهما, أن نشوب الحرب على الساحة اللبنانية في هذا الوقت ليس في مصلحة سورية, خصوصا أنها ستكون في هذه الحالة مضطرة الى الدخول في الحرب لاثبات التزامها بالتحالف الستراتيجي مع ايران. وبالطبع فان ذلك كفيل بفرملة الاندفاعة الأميركية والغربية عموما للانفتاح عليها, بشكل يمكن أن يهدد الجهود الحثيثة التي بذلتها في السنوات الأخيرة بهدف فك عزلتها الدولية وتحاشي شبح المحاكمة الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري, فضلا عن فتح نافذة مفاوضات جديدة مع اسرائيل قد تنتهي باستعادة هضبة الجولان.
وثانيهما, أن سورية تخشى من وجود اتفاق خفي بين ايران وquot;حزب اللهquot; على توريطها في أي حرب مقبلة في المستقبل, من خلال تعمد نقل الحرب فورا من شمال نهر الليطاني الذي يشكل خط الدفاع الأول في الأراضي اللبنانية بعد فقدان الجنوب الذي توجد فيه القوات الدولية, الى منطقة البقاع المحاذية للحدود السورية, وذلك لتحقيق هدفين: الأول, اجبار دمشق على التدخل عسكريا لحماية خاصرتها الرخوة التي تتمثل في منطقة البقاع من دخول القوات الاسرائيلية, لاسيما بعد اعلان تل أبيب أن احتلال كامل منطقة البقاع شرط من شروط القضاء على quot;حزب اللهquot;. والثاني, قطع الطريق على مواصلة مفاوضات السلام غير المباشرة بين اسرائيل وسورية, التي أثارت قلقا بالغا لدى طهران التي تدرك جيدا أن ثمن استعادة دمشق لهضبة الجولان هو فك تحالفها مع ايران وكل من quot;حزب اللهquot; اللبناني وحركتي quot;حماسquot; وquot;الجهاد الاسلاميquot; الفلسطينيتين.

خيارات سورية ضيقة
وفي كل الأحوال, فان ما سبق في مجمله يكشف عن حقيقة مهمة مفادها أن التطورات الحالية التي تشهدها أزمة الملف النووي الايراني كفيلة بتغيير الوضع الستراتيجي الحالي في منطقة الشرق الأوسط الذي يبدو مريحا لسورية, لأنه يسمح باحتفاظها بأوراقها الاقليمية كاملة, واستمرار سياسة quot;الأحلاف المفتوحةquot; التي تنتهجها وحصلت بموجبها على مكاسب عديدة دون أن تقدم تنازلات كبيرة.
واللافت في هذا السياق هو أن أكثر ما تخشاه سورية في الوقت الحالي هو أن تدفع حالة التوتر والاحتقان الحالية والتي تنذر بنشوب مواجهة عسكرية في المنطقة طرفي الأزمة أي ايران من جهة وكل من الولايات المتحدة واسرائيل من جهة أخرى, الى البحث عن حلول أخرى لها, ومن ثم الاتجاه الى ابرام quot;صفقة كبرىquot; حول الملف النووي الايراني, يتم بمقتضاها قبول ايران اتفاق quot;تبادل اليورانيومquot;, مقابل حصولها على حوافز سياسية واقتصادية وستراتيجية متمثلة في الحصول على مكانة اقليمية مرموقة بقبول اقليمي ودولي.
ومن دون شك فان هذه المكاسب المحتملة التي ستحصل عليها ايران لن تكون بدون ثمن, والذي سيتركز في هذه الحالة على تقليص حدة التوتر في العلاقات بين ايران واسرائيل تحديدا وربما تطويرها في المستقبل, فضلا عن انهاء دعم ايران للمنظمات والنظم الراديكالية في المنطقة وعلى رأسها سورية.