سعد محيو

هل نضج ldquo;المزاجrdquo; الديمقراطي لدى الشعوب العربية، بحيث بات من الممكن ولادة ldquo;أنموذجrdquo; (بارادايم paradigm -) ديمقراطي جديد يحل مكان الأنموذج السلطوي السائد الآن؟

كل المؤشرات تدل على ذلك . وهي في الواقع مؤشرات علمية، لا مجرد انطباع أو تفكير رغائبي .

ففي إطار الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسة ldquo;غالوبrdquo; في مصر والمغرب والسعودية والإمارات، قال 86% ممن تم استطلاع آرائهم إنهم ينظرون إلى الديمقراطية على أنها الصيغة المثلى لنظم الحكم . ويرى حوالي 90% منهم أن التحوّل الديمقراطي سيحقق مصالح حيوية لدولهم . وفي السياق نفسه أكد حوالي 63% أن الإسلام والديمقراطية متطابقان ومتقاطعان .

هذه النتائج المهمة تصبح أكثر أهمية حين نعلم أن الشباب العربي لم يغيّر موقفه من المبدأ الديمقراطي، على رغم سياسات أمريكا . وهذا ما لم يحدث غداة الحربين العالميتين الأولى والثانية، حين انحاز القوميون العرب والإسلاميون إلى الإيديولوجيات القومية اللاديمقراطية الألمانية والإيطالية، بسبب اشتباكهم مع البعد الاستعماري في الديمقراطيتين البريطانية والفرنسية .

وكما أوضحت الاستطلاعات التي أوردها ldquo;تقرير واشنطنrdquo;، فإن تقييم الرأي العام العربي للدور الأمريكي في دعم الديمقراطية كان سلبيًّا للغاية، متأثرين على ما يبدو بخبرة احتلال العراق وتصادم الولايات المتحدة مع حركة حماس عقب فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية . فقد أشار حوالي 65% ممن شملهم استطلاعات ldquo;غالوبrdquo; في الدول الأربع إلى أن الديمقراطية لا تمثل إحدى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط . ورأى حوالي 78% أن الولايات المتحدة ليست جادة في ما يتعلق بتأسيس الديمقراطية في الشرق الأوسط . وفي ما يتعلق بالإرهاب فإن حوالي 83% أكدوا أن قتل المدنيين لا يمكن تبريره بأي حال .

بيد أن هذه النتائج لم تؤثّر في استمرار انحياز غالبية الرأي العام العربي إلى الديمقراطية . لا بل هم وجدوا نقاط تقاطع ديمقراطي مع الشعب الأمريكي خارج إطار السياسة الخارجية . إذ أعرب الشبان العرب عن اتفاقهم مع الرأي العام الأمريكي على أهمية الدور الحيوي للدين في الحياة العامة، حيث أشار حوالي 88% ممن شملتهم استطلاعات أجرتها مؤسسة ldquo;بيوrdquo; في 12 دولة ذات أغلبية مسلمة إلى أن الدين يعتبر ركناً أساسياً في حياتهم اليومية، وهو موقف يتبناه حوالي 68% من الأمريكيين . كما اتفق قطاع عريض في الدول الإسلامية ( 53%) مع غالبية الجمهور الأمريكي (65%) على رفض قيام السلطات الدينية بأي دور في عملية التشريع السياسي .

وفي ما يتعلق بحقوق المرأة فقد طالب حوالي 77% في عدد من الدول الإسلامية ممن شملهم استطلاع أجرته مؤسسة ldquo;الرأي العام العالميrdquo; بضرورة قيام الدولة بالتصدي لأية محاولات للتفرقة بين المواطنين على أساس الجنس، ورأى حوالي 86% ضرورة تمتع المرأة بالحقوق السياسية ولاسيما حق التصويت في الانتخابات .

هذه المعطيات تؤكد ما بات مؤكداً: المزاج العربي أصبح جاهزاً لاستقبال الأنموذج الفكري- السياسي الديمقراطي . وهنا يأتي دور النخب الثقافية والفكرية العربية، التي بات يتعيّن عليها صب هذا المزاج الشعبي في ذاك الأنموذج الفكري، ليولد من رحمهما المحرّك الجديد لتاريخ المنطقة .

مزاجهم بانتظار أنموذجكم أيها ldquo;الأخوة المثقفونrdquo; .