عبدالله اسكندر

لا تدع إيران مناسبة تمر من دون دعوة بلدان الخليج العربي الى وضع استراتيجية أمنية مشتركة. وتقوم هذه الاستراتيجية، كما تراها طهران، على أن أمن المنطقة ينبغي أن يكون في أيدي دولها، وعلى رفض أي وجود عسكري اجنبي في المنطقة. وتدعو الى ان تتولى القوات الإيرانية إشغال الفراغ الناتج عن ذلك. ولذلك تستثمر إيران بلايين الدولارات في زيادة قوتها العسكرية، عدداً وعدة، وتكثر المناورات البرية والبحرية والجوية وتجريب صواريخ مختلفة الاحجام والأهداف والاستخدام. بما يظهرها كقوة اولى وأساسية لا تضاهيها اي قوة اقليمية اخرى.

وفي مقابل الإعلان الخليجي عن الاعتراف بإيران كطرف اقليمي له مصالحه المشروعة في المنطقة وضرورة التعامل معه بندية وبما يتيح ضمان مصالح الجميع، لا تزال طهران ترفض تقديم اية ضمانات بالنسبة الى أمن المنطقة وأهداف برامجها العسكرية والتسليحية، خصوصاً النووية منها. بما يجعل الكلام عن استراتيجيتها الدفاعية في المنطقة بمثابة دعوة الآخرين الى الالتحاق بها وتسليمهم لها بالأمن والسياسة.

ورداً على طلب الخليجيين الضمانات والتطمينات، ترفع طهران أخطار اسرائيل، بوصفها العدو الأول لهم، بدل أن يفتعلوا ازمة مع الجار الإيراني. وتأخذ على الخليجيين أنهم يفتعلون مخاوف من التمدد الإيراني فيما العدوان الاسرائيلي مستمر على العرب والفلسطينيين وفي الاراضي العربية الاخرى. وعندما تُثار قضايا مرتبطة مباشرة بالسياسة الإيرانية في الخليج، خصوصاً احتلال الجزر الإماراتية والتدخل السافر في العراق والاشتباه بتدخل في بلدان اخرى، على نحو مباشر او غير مباشر، وتهديدات بضم بلدان عربية، لا تُقدم طهران على اي خطوة لإزالة القلق، لا بل تكتفي بكلام عام عن حسن الجوار والعدو الإسرائيلي المشترك، بما يضخّم حجم القلق.

وتبقى العلاقة الإيرانية - الخليجية معلقة بين مد وجزر، تتعايش فيها ازمات مبطنة وانعدام ثقة ومخاوف متزايدة من الجانب الخليجي في شأن القوة العسكرية الإيرانية واهدافها في المنطقة. في هذا المعنى تريد إيران من حوارها مع الخليج في شأن استراتيجية دفاعية، الاعتراف لها بالتفوق العسكري والسياسي وحق القرار في كل شؤون المنطقة، والتوقيع لها على بياض في هذا الشأن.

ويبقى هذا الحوار معلقاً وخاضعاً لتجارب القوة في الخليج الذي ترفض دوله هذا المفهوم للحوار وتعتبر ان الوجود الأجنبي في المنطقة هو لمعادلة التمدد الإيراني والنيات الإيرانية غير المطمئنة... في انتظار ان تتوافر ظروف تجعل هذا الحوار متكافئاً ويستند الى معطيات تتيح الوصول الى ضمانات متبادلة.

يكاد هذا الامر ان يتكرر حرفياً في لبنان، لمناسبة معاودة عقد طاولة الحوار الوطني. فالطرف الأقوى عسكرياً في المعادلة، وهو هنا laquo;حزب اللهraquo;، يضع قواعد ومرتكزات هذا الحوار. فالحزب، المتماهي مع إيران والمتطابق مع سياستها والذي يكدس الاسلحة والصواريخ ويستأثر بقرار استخدامها، يعتبر أن اي استراتيجية دفاعية للبنان لا تعني سلاحه. وإنما ينبغي ان تكون بالبناء عليه، اي يصبح القوة الأساسية تردفه القوات المسلحة الأخرى، في الجانب العسكري. اما الجوانب الأخرى من الاستراتيجية فتقوم على نظرة الحزب الى البلد وأهله وكيفية وضعهم في خدمة أولويته العسكرية.

وهنا، كما إيران في الخليج، تُلغى هواجس الآخرين ومخاوفهم، باعتبار ان العدو هو اسرائيل، وان مواجهة عدوانية هذا العدو لا تستقيم من دون التسليم للحزب بقوته وأولويته. كما تُهمل مخاوف الآخرين من هذه القوة التي استخدمت يوماً في النزاع الداخلي ووظفت في قلب معادلات داخلية. وتفرض توازناً هشاً وجموداً على العمل الحكومي، او التهديد بشل هذا العمل ما لم يكن القرار في يدي القوة الأكبر.

هكذا، يظل هذا الحوار بين مد وجزر مثل مثيله الإيراني - الخليجي من دون التقدم نحو اتفاق فعلي. وهذا ما يُفسر عدم تنفيذ ما اتفق عليه في ظل طاولة الحوار الاولى يوم كان الضغط الخارجي في ذروته على laquo;حزب اللهraquo;، قبل حرب تموز. فما وافق عليه الحزب مضطراً بعد الخروج العسكري السوري، الغته التطورات اللاحقة التي استعاد الحزب فيها وضعه كقوة عسكرية اساسية، ينبغي على الآخرين الالتحاق به والتوقيع على بياض لبرنامجه.

ويبدو حتى الآن، كما في الخليج، أن تجربة القوة لا تزال غير حاسمة في وجهة ما. وربما علينا انتظار نتائج التجربة الأساسية للقوة في الخليج.