سعد محيو

ماذا يمكن لجلسة الحوار الوطني التي بدأت أمس الأول في لبنان أن تنجز ما لم تنجزه شقيقتاها الأوليان في 2006 و2008؟

لا شيء على الأرجح . فالعطب في الشقيقات الثلاث واحد، ولذا ستكون المحصلات واحدة .

لكن ومع ذلك، ثمة شيء جديد في الجولة الجديدة، يتمثّل في أنها تأتي بعد أيام من قمة دمشق التي جمعت كلاً من الرئيسين السوري بشار الأسد والإيراني أحمدي نجاد وزعيم حزب الله السيد حسن نصرالله .

ففي هذه القمة، نزع السيد حسن نصر الله عمامة السياسات والحرتقات اللبنانية الصغيرة، ووضع مكانها العمامة العربية الإسلامية، معلناً أن الحلفاء الثلاثة وجهوا معاً رسائل واضحة إلى أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; مفادها بأنهم سيقاتلون معاً ويواجهون معاً وينتصرون معاً .

وبذلك، فهو حدد موقع لبنان كحليف على قدم المساواة مع سوريا وإيران في المجابهة الشاملة في الشرق الأوسط .

أطراف 14 آذار/مارس حملت بعنف على نصر الله، فاتهمته بإلغاء وجود الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها: البرلمان والحكومة والمؤسسة العسكرية، وأنه نصّب نفسه الناطق الوحيد باسم جمهورية لبنانية جديدة فرضتها موازين قوى أمنية وعسكرية . وحين عاد السيد من دمشق إلى بيروت، لم يبد أي اهتمام بأبعاد مشاركته في هذه القمة، بل هو عمد إلى توكيد هذه التداعيات، حين خطب معلناً أن هذه القمة خلقت وقائع جديدة في المنطقة، فنسي أن يُلمح ولو تلميحاً إلى أن ثمة أطرافاً أخرى في لبنان معنية هي أيضاً بتقرير مصير الحرب والسلام .

وتضيف هذه الأطراف أن المنطق يقول إن السيد نصر الله دُفع إلى طرح أوراقه على هذا النحو لأن ldquo;الضرورات تبيح المحظوراتrdquo; . والضرورات هنا هي حشد كل الدعم وأوراق الضغط والحرب السايكلولوجية لمنع الغرب من محاصرة سوريا وإيران ولبنان أو الاستفراد بأحدها . ولذا فهو وقع في المحظورات التي تجعله يؤكد أن بُعد سلاح المقاومة عربي إسلامي أكثر منه لبنانياً .

اتهامات في غير محلها؟

ربما . لكن هذا لا ينفي حقيقة وُلدت قبل قمة دمشق بكثير، وهي أن لبنان بات بالفعل دولة مجابهة مع ldquo;إسرائيلrdquo; . لا بل هو قد يكون دولة المجابهة الأهم معها استناداً إلى ما حدث عامي 2000 و2006 .

وما لم تُدرك كل الأطراف هذه الحقيقة، فإن الحوار الوطني لن يصل إلى أي نتيجة، وسيصبح أشبه بحادثة طريفة وقعت مع الراحل جورج حاوي العام 1976 . ففي تلك الأثناء، وفي جلسة لقيادات الحركة الوطنية، كان ثمة جدل عنيف حول احتمال أو لا احتمال دخول القوات السورية إلى لبنان . وكان حاوي يتحدث لساعات وبحماسة شديدة مدافعاً عن فكرته بأن ثمة استحالة بأن تدخل هذه القوات إلى لبنان . وطيلة هذه الجلسة الماراثونية، كان صحافي يرفع اصبعه باستمرار مطالباً بالكلام، لكن أحداً لم يلتفت إليه . وحينها استشاط الصحافي غضباً وصرخ فجأة: أريد الكلام .

وحين سُمح له بذلك، صرخ مجدداً: يا إخوان، أنتم تتجادلون حول دخول أو عدم دخول القوات السورية، لكنهم دخلوا قبل ثلاث ساعات إلى لبنان! .

الطرفة نفسها قد تتكرر في مؤتمر الحوار . فالنقاش سيكون عنيفاً وحاداً حول طبيعة الاستراتيجية الدفاعية، في حين أن الأمر حُسم وضُمّ لبنان بحكم الأمر الواقع إلى معسكر ضد آخر .