الكويت - زهير الدجيلي


فاجأت القائمة العراقية تقدمها على القوائم الأخرى في كركوك، التي يراهن الأكراد على الفوز بها، كخطوة تسبق خطوات ضمها الى اقليم كردستان. ثم جاءت المفاجأة الثانية بتقدم قائمة علاوي على قائمة المالكي في محصلة عدد الأصوات في 18 محافظة. مما أكد وجهات نظر العديد من المراقبين بأن الشوط الأخير أي الـ %30 الأخيرة من الأصوات قد تغيّر الكثير من الحسابات. وتقدم قائمة علاوي غير المتوقع واحد من هذه المتغيرات.
لكن هذا التقدم السريع لقائمة علاوي يقابله تقدم بطيء لقائمة المالكي، لا يعني ان تغييرا كبيرا حصل في النتائج النهائية. فالفرق بين كل القوائم ليس كبيرا. كما ان ايا من القوائم الأربع الأساسية بإمكانها ان تكبر وتشكل الكتلة الكبيرة حالما تتحالف مع الأخريات.
النتائج أكدت حالة الاستقطاب الطائفي التي ترسخت في العراق. وإذا كان الجميع يقولون إنهم بصدد تشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة فهذا قول مردود من قبل النتائج أولا ومن قبل واقع الحال ثانيا.
فكما قيل عشية الانتخابات إنه من المتوقع ان تعطي اكثرية الناخبين اصواتها الى المرشحين العلمانيين والى الكفاءات الوطنية والى الخبرة لتخرج من مساوئ الطائفية وتعاقب الأحزاب الدينية التي تولت السلطة على اخفاقاتها وفشلها في توفير الخدمات وضلوع الكثير ممن تولوا السلطة عن طريقها في الفساد.
لكن هذا لم يحصل كثيرا. واذا حصل فقد حصل بشكل غير ملحوظ. فغالبية الناخبين أثبتت انها لا تزال على ولائها للأحزاب الدينية ولرموزها. ولو لم تكن كذلك لما فازت تلك الأحزاب وائتلافاتها المتنوعة بأغلبية الأصوات. واذا كان بعض المراقبين يطلقون على قائمة علاوي وصف laquo;العلمانيةraquo;، فهذا غير صحيح. فالطائفة السنية بأغلب مكوناتها اعطت اصواتها الى القائمة ليس لكون علاوي اماما للسنة، انما نكاية في ظروف التهميش التي واجهوها في سنوات حكم وزارة المالكي ورد فعل على قرارات الابعاد ومنع المئات من المرشحين. كما ان القائمة ضمت رموزا دينية وعشائرية كثيرة تحسب على السنة.
والخريطة توضح بجلاء ان العرق مقسم وأن الفترة السابقة من احتلال العراق قسمت العراق فعليا. فالقوائم الشيعية فازت في الجنوب والوسط فوزا كبيرا. والسنية فازت في غرب البلاد وفي المحافظات السنية. والأكراد فازوا في محافظاتهم الكردية. وهذا ما يوضح ان الطوائف الأساسية تقاسمته جغرافيا وسياسيا ومن الخطأ إعطاء تفسيرات أخرى.
والسيناريوهات القادمة لا تخرج عن ثلاثة:
1 ـــ تشكيل حكومة وفاق وطني تجمع كل القوائم الفائزة بعد مفاوضات مضنية قد تجعل وقت الوصول الى تشكيل حكومة يطول بما فيه من فراغ سياسي ومضاعفات إدارية وسياسية. وهذا السيناريو يتطلب الخروج من دائرة نتائج الانتخابات والذهاب الى دائرة التوافق خارج البرلمان. وهو سيناريو تدعمه واشنطن والأمم المتحدة.
2 ـــ العودة من جديد الى حكومة الائتلاف الشيعي الكردي وبالتحالف ايضا مع قائمة التوافق التي يتزعمها الحزب الإسلامي. معنى ذلك العودة الى تجربة حكومة الائتلاف السابقة بعد التحسين والتصليح. بحيث يضم: حزب الدعوة والمجلس الأعلى والحزب الإسلامي والحزبيين الكرديين الرئيسيين. وهو الائتلاف الذي كان يحكم المرحلة السابقة. وهذا يتطلب الضغط الشديد على المالكي ليعود الى بيت الطاعة الشيعي. وتقف ايران وراء هذا السيناريو بقوة.
3 ـ السيناريو الثالث وهو الأصعب يقوم على تشكيل حكومة بتوجه اي قائمة من القوائم الرئيسية الأربع نحو التحالف مع اثنتين، اي بإمكان المالكي أو علاوي أو عادل عبد المهدي وغيرهم من قادة الكتل الأربع تشكيل الوزارة اذا اتفق مع اثنتين لتوفير اكبر كتلة برلمانية. اما القائمة المعزولة فتبقى في المعارضة.
لن تخرج العملية السياسية بعد اعلان النتائج عن سياق هذه السيناريوهات. لكن المشاكل الكبرى تكمن في عدم توفّر laquo;ثقةraquo; تكفي لجعل واحد من هذه السيناريوهات يتحقق بسهولة ومن دون ردود فعل عكسية قد تقود الى اضطراب سياسي كبير يتطلب تدخلا اقليميا ودوليا جادا ومسؤولا هذه المرة.