عدنان حسين
قوية، واضحة، صريحة، مباشرة وموجزة.. هي الرسالة التي أودعها الشعب العراقي صناديق الاقتراع في السابع من الشهر الحالي: لا للأحزاب الدينية.. لا للطائفية السياسية.. لا للعنصرية.. لا للميليشيات.. لا للمحتالين أصحاب الشعارات والوعود الكاذبة.. لا لأساطين الفساد المالي والإداري.
سعوا كثيرا لمصادرة إرادته وسرقة أصواته، بتشريع قانون انتخابي على مقاساتهم.. بالرشى وشراء الضمائر.. باستخدام الدين والرموز الدينية في الدعاية الانتخابية، على الرغم من المنع.. بالتلاعب في قوائم الناخبين.. بالتهديد والترهيب.. بالتزوير في الأوراق الانتخابية.. بحرمان مئات الآلاف من العراقيين الأقحاح من التصويت في الداخل وفي الخارج.. بالتلاعب في أثناء عملية فرز الأصوات وعدّها وإدخال البيانات في أجهزة الكومبيوتر. لكن هذا كله لم يستطع أن يُشوّش كثيرا على الرسالة بأن الشعب العراقي له كلمة أخرى، مفادها أنه لا يريد أن يُزجّ بالدين ورجال الدين في مستنقع السياسة، ولا أن تُدير دولته الأحزاب الدينية، ولا يرغب في تنصيب عتاة الطائفيين والعنصريين والكذبة واللصوص والمتكبرين عليه، نوابا عنه ووزراء في الحكومة.
في الانتخابات السابقة لم تكن متاحة له حرية الاختيار.. كانوا يفرضون عليه قائمة مغلقة لا يعرف من فيها.. وفي أول فرصة توافرت له لكي يختار بإرادته في قوائم نصف مغلقة، نصف مفتوحة، فإن الشعب العراقي قرر أن يُعلن بجلاء أنه ينبذ الطائفيين والعنصريين والمحتالين والكسالى والحرامية والمتكبرين عليه من الوزراء والنواب السابقين الذين ترشحوا في الانتخابات الأخيرة.. بل إنه عاقبهم عقابا شديدا يستحقونه، فأكثر من نصف عدد الوزراء والنواب السابقين الذين ترشحوا لم يحصل الواحد منهم في هذه الانتخابات إلا على بضع مئات من الأصوات، وفي بعض الحالات لم تتعد النتيجة بضع عشرات فقط، وبين هؤلاء قادة ومتنفذون في الأحزاب والجماعات الطائفية والميليشيات.
ربما- ويبدو أنه من شبه المؤكد- سيعمد بعض زعماء الأحزاب والكيانات إلى الالتفاف على إرادة الشعب باستغلال الثغرات التي تُركت عن عمد في قانون الانتخابات لتمكّن هؤلاء الزعماء من منح عضوية البرلمان إلى بعض خاصتهم وأتباعهم ممن فشلوا في هذه الانتخابات (المقاعد التعويضية وأصوات الكيانات غير الفائزة التي ستضاف من دون وجه حق إلى أرصدة الكيانات الفائزة).. هذا (منح النيابة والوزارة للفاشلين في الانتخابات) سيكون عملا غير حكيم.. بل غير أخلاقي.. وبالتأكيد سيدفع هؤلاء الزعماء وأحزابهم ثمنا باهظا له في الانتخابات المقبلة، مثلما دفع عتاة الطائفيين والعنصريين والميليشياويين والمحتالين والمتكبرين والكَذبة والفَسدة ثمن أفعالهم ومواقفهم التي أعلن الشعب العراقي بوضوح في هذه الانتخابات أنه يناهضها تماما.
يجب ألا يتصور هؤلاء الزعماء أن الشعب العراقي غافل عما يفعلون.. إذا كانت لديهم عقول سليمة في رؤوسهم، عليهم أن يقرأوا نتائج الانتخابات بعناية، وأن يفهموا ما انطوت عليه من رسالة.. إنها رسالة قوية، واضحة، صريحة، مباشرة وموجزة لا يحتاج إدراكها إلى مفسّر، أو ترجمان.
التعليقات