رندة تقي الدين


غصت قاعة كولومبيا في نيويورك بحضور كثيف لطلاب الجامعة الأميركية المعروفة للاستماع الى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمشاركة في حوار معهم. وكان لافتاً اهتمام الطلاب الأميركيين بمشاهدة الرئيس الفرنسي عن قرب والاستماع اليه وطرح أسئلة عليه، كما كان لافتاً اهتمامهم لمشاهدة زوجته كارلا الذين سمعوا عنها الكثير، وعن جمالها وعن مهنتها السابقة كعارضة أزياء والحالية كمغنية. الا ان الاهتمام الأول السائد لدى غالبية الطلاب تركز على الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وكيفية الخروج منها.

ورد ساركوزي بان إدارة العالم تتطلب، في القرن الـ 21، من أكبر قوة في العالم التحاور مع غيرها، وأن دولة عظمى كبيرة لا يمكنها فرض رأيها على العالم، وأنه ينبغي ايجاد حلول جديدة لمشاكل العالم بالتعاون. وتطرق مطولاً الى ضرورة تشاور الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين لحل الأزمات مثل أزمة المال العالمية وضرورة وضع قيود على النظام المالي. وذكر ساركوزي ان الرئيس أوباما سأله، في اتصاله الهاتفي الأخير معه، عن الحل لمشكلة اليونان المالية لأنها تؤثر على العالم بأسره، لكنه تأسف لعدم استشارة الإدارة الأميركية للأوروبيين عندما تُركت مؤسسة المال الأميركية laquo;لايمن برازرraquo; تنهار. فكانت بداية الانهيارات المالية في العالم ابتداءً من أميركا ثم انتقلت بسرعة الى أوروبا.

وجاء ساركوزي الى واشنطن يطلب من الحليف أوباما الذي التقاه بعد ظهر أمس في البيت الأبيض حوارا أكبر حول القضايا الكبرى مثل الأزمة المالية والشرق الأوسط وإيران ومكافحة الإرهاب وكل القضايا التي لها تأثير عالمي.

ومطالبة ساركوزي الحليف الأميركي بأن يكون حليفا وشريكا حقيقيا، وأن يتحاور مع الحلفاء، صعبة التنفيذ في غياب قوة أوروبية موحدة ومتضامنة كان ينبغي أن تحل مكان الاتحاد السوفياتي. فمهما أبدى الرئيس أوباما انفتاحه على العالم والحلفاء ومهما أظهر شخصية منفتحة على الخارج يبقى على رأس دولة عظمى لم تدخل بعد في ثقافتها استشارة الأوروبيين.

فأوباما بدأ يغيّر نهج التعاطي مع العالم، بدءاً بخطابه في القاهرة للعالم الإسلامي ثم تعاطيه مع الدول الكبرى مثل روسيا والصين، لأنها دول قادرة على وضع عراقيل في وجه سياسته. في حين أنه أكثر اطمئناناً الى أوروبا خصوصاً أن تم تجاوز فترة القطيعة مع فرنسا حول حرب العراق. ففرنسا عادت الى الحلف الأطلسي كلياً والرئيس الأميركي الحالي مختلف عن سلفه جورج بوش.

حاول ساركوزي، بقوة، إقناع الجانب الأميركي بضرورة عقد مؤتمر دولي لإطلاق مسيرة السلام في الشرق الأوسط، إلا أن الولايات المتحدة فضلت ترك جورج ميتشيل يقوم بمساعي تفاوض غير مباشر، وباريس ترى أنه نهج غير مجدي ولا يؤدي الى أي نتيجة.

وأوروبا عانت في السنوات الأخيرة من ضعف العملة الأميركية الدولار على حساب ارتفاع قيمة اليورو الذي جعل منافسة أميركا على صعيد الصادرات أقوى بكثير من أوروبا. أما الآن فبدأ العد العكسي لليورو بعد ما حصل في اليونان. وقال ساركوزي لطلاب كولومبيا ان الدولار عملة مهمة ولكنها لم تعد العملة المهمة الوحيدة، وأن جزءا من الادخار بات في العملة الصينية اليوان، فطالب بتغيير النظام المالي العالمي القائم على laquo;برتون وودraquo;الذي ينبغي تغييره.

الطموح الأوروبي الى تشاور أميركي أكبر مع أوروبا مفهوم، لكنه يتطلب وحدة حال أوروبية أكبر من أجل أن يكون لأوروبا نفوذ أكبر.