تركي الدخيل

يحاول الدكتور: شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، إعادة النظر في الكثير من المفاهيم المتداولة في الساحة السياسية والفكرية. فهو كاتب من طراز رفيع، ومتحدث يشرح أفكاره بسلاسة وهدوء بعيداً عن التشنج والتصعيد، إلى حد التدفق السلس في الفكرة المنتظمة المرتبة. وُصف من قبل بعض الكتاب بأنه نموذج للمتحدث الدبلوماسي؛ لكن دبلوماسيته في الحديث واضحة صريحة، بل ومؤلمة أحياناً.
ميزة الدكتور أنه استطاع أن يتأمل الواقع العربي ويشخصه من خلال تجاربه هو. هذا الأكاديمي الكويتي من أصل فلسطيني شارك في الحرب بجنوب لبنان لمدة ست سنوات. وحينما استضفتُه في quot;إضاءاتquot;، الذي سيبث ظهر اليوم، قال إن البيئة العربية تهيئ أحياناً للتطرف. بل رأى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لو عاش في منطقتنا لكان مجرد شخص ضمن المجاهدين في أفغانستان! كما اعتبر العرب والأفارقة أكثر البشر حاجةً إلى الحداثة. لقد جرب الدكتور شفيق الانخراط في التيارات القومية وكان للعدوان الثلاثي أكبر الأثر على تكوينه.
أستاذ العلوم السياسية اعتبر مهمة السياسة بالأساس: رعاية مصالح الناس. واعترض في معرض حديثه على مفهوم الدولة الدينية المطروح لدى جماعات الإسلام السياسي، فالغبرا من الدعاة بقوة إلى تأسيس مفهوم الدولة المدنية البعيدة عن الانتماءات الأيديولوجية. من هذا الباب دخل منتقداً quot;الوسطية الإسلاميةquot; لأنها ndash;حسب قوله- لم تحقق نجاحاً في مواجهة التطرف، وقال: quot;إن الوسطية الإسلامية تنطلق موضوعياً من الإيمان بضرورة قيام الدولة الدينيةquot;. فهي برأيه على الرغم من كل ما طرحته وتطرحه حول مواجهة التطرف؛ تحمل في جوفها بذور التطرف، إذ لم تبتعد كثيراً عن أساليب المتطرفين في المطالبة بالدولة الدينية وتطبيق أيديولوجيا إقصائية على المجتمعات ذات التعدديات الفكرية والمذهبية والفكرية.
قال أبو عبدالله غفر الله له: طرح شفيق الغبرا يحمل خصائص كبيرة، أهمها الطرح المنطقي المرتب البعيد عن أجواء الشد والجذب. لا يحب الوصايات الفكرية. انطلق من طرحه في كل ما كتب من خلال مزجه بين التجارب السياسية التي مر بها وبين التجارب الفكرية التي نهل منها. سعى في أقواله إلى إعادة الأولويات، على مستوى التفكير السياسي أولاً، وعلى مجالات العلوم والحياة كلها ثانياً. أتمنى لكم مشاهدةً ممتعة.