سركيس نعوم
تعتقد مصادر ديبلوماسية عريقة جداً ومطَّلعة ان quot;النكسةquot; التي اصابت سوريا بشار الاسد في لبنان بعد اضطرارها الى سحب جيشها منه تحت ضغط اميركي واوروبي وعربي غير مسبوق دفعتها الى اتخاذ قرار بازالة آثار هذه النكسة وان اقتضى ذلك توظيف كل طاقاتها والتحول طرفاً اساسياً في المحور الاقليمي المواجه لاميركا وحلفائها العرب وحليفتها الاولى اسرائيل. وكذلك مراجعة، ليس استراتيجيتها الاقليمية وخصوصاً الشق المتعلق بلبنان، بل الخطط التنفيذية لها والممارسات التي اقدمت عليها سواء داخل لبنان او في العراق او في فلسطين وذلك بغية اكتشاف الأخطاء التي وقعت فيها والتي ادت الى نفور غالبية الشعوب اللبنانية منها وكذلك نفور غالبية الدول العربية والمجتمع الدولي تمهيداً لتصحيحها وتلافي الوقوع فيها مجدداً وتالياً التخلص من طوق العزلة الذي كان يشتد حول عنقها. هذه المراجعة تضيف المصادر اياها جرت واثمرت بداية تحوُّل وإن غير نهائي في المواقف السلبية منها التي اتخذتها جهات لبنانية وعربية واقليمية ودولية. ومما ساعد على جعلها مثمرة تطورات سلبية اعاقت جهود المحور الدولي ndash; الاقليمي العربي quot;المعاديquot; لسوريا والمحور الذي تنتمي اليه اولا في العراق وثانياً في لبنان وثالثاً في افغانستان ودفعته الى الاقتناع بضرورة الانفتاح على بعض المحور المعادي وتحديداً سوريا سواء حداً للخسائر او تعزيزاً لفرص النجاح في المواجهة الدائرة.
متى بدأ الانفتاح على سوريا بشار الاسد؟
تلفت المصادر الديبلوماسية العريقة والمطلعة اياها قبل الجواب عن هذا السؤال الى ان المحور الدولي ndash; الاقليمي ndash; العربي توصل بنتيجة مراجعة للأوضاع في المنطقة بعد انسحاب سوريا من لبنان في 26 نيسان 2005 الى ان للأخيرة مشكلات كثيرة مثل كل الدول. لكن لها مشكلات اربعاً صعبة بل خطيرة بعضها حديث وبعضها quot;عتيقquot; يؤدي استعمالها بكفاية في المواجهة الى الحاق ضرر بسوريا لا يعوّض، كما تؤدي محاولة توظيفها لاستمالة سوريا او تحييدها او عودتها صاحبة quot;دور بنّاءquot; كما كان يقول الاميركيون والاسرائيليون دوماً الى تقليل خطر انفجار المنطقة وتخفيف الضغوط التي يعانيها المحور المذكور في المنطقة.
والمشكلات هي اولاً سلامة النظام الحاكم في سوريا واستقراره وديمومته. وثانياً، استعادة كل الاراضي السورية التي احتلتها اسرائيل عام 1967 (الجولان). وثالثاً، استعادة لبنان دولة تتأثر بها وتنفّذ سياستها وتدور في فلكها. ورابعاً، ازالة سيف quot;المحكمة الدوليةquot; المصلت فوق رقبة سوريا من المجتمع الدولي وزعيمته اميركا سواء كان نظامها مذنباً في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري او بريئاً.
اما بالعودة الى السؤال المطروح اعلاه فان المصادر الديبلوماسية العريقة والمطلعة نفسها تجيب عنه بأن quot;بداياتquot; الانفتاح الدولي وتحديداً الاوروبي على سوريا بدأت عام 2007 وتعمقت لاحقاً في ضوء التطورات الاقليمية التي كانت ايجابية بالنسبة اليها وخصوصاً في لبنان. وكان عنوانه quot;طمئِنوا سورياquot;. طبعاً كانت وجهة هذه الدعوة لبنان او جهات لبنانية معينة. لكن وجهاتها الاكثر اهمية كانت اميركا واسرائيل والدول العربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية ومصر فضلاً عن أوروبا.
اما طرق الطمأنة التي افاض في شرحها المقتنعون بها والعاملون في سبيلها فكانت عديدة. فعلى الصعيد اللبناني مثلاً تمّت الدعوة الى اعتراف، او بالأحرى الى تجديد الاعتراف الدولي وتحديداً الاميركي ndash; الاسرائيلي quot;بمصالح سوريا المشروعة في لبنانquot;. وأُضيفت الى المصالح صفات ثلاث هي السياسية والامنية والاقتصادية. وعلى الصعيد اللبناني ايضاً بدأت جهات دولية مهمة تتساءل عن جدوى quot;المحكمة الدوليةquot;، لا بل سألت لبنانيين معنيين: لشو المحكمة؟ فأجابوا: لمنع العنف والاغتيالات. وكان ردها: من قال ان المحكمة تمنع كل ذلك؟ وعلى الصعيد السوري ndash; العربي قيل لسوريا ان مؤتمر موسكو الدولي الذي سيحيي عملية السلام في الشرق الاوسط سينعقد وبتأييد من المجتمع الدولي وتحديداً كباره. وان استعادة الجولان ستكون في صدارة الابحاث. وتجاوبت سوريا وأبدت استعدادها لمفاوضات مباشرة (جديدة) مع اسرائيل كانت رفضتها في السابق. وانطلاقاً منه اشتركت في مؤتمر انابوليس الذي لم يسفر عن شيء كما هو معروف. وعلى صعيد النظام السوري عادت اميركا جورج بوش الابن عن سياسة تغييره بعدما كانت قالت: اتوني ببرويز مشرف سوري لأمشي في التغيير.
لماذا هذا الكلام الآن؟
لأن الانفتاح الذي بدأ على سوريا عام 2007 يتوسع باطراد. ولأن العزلة العربية والدولية التي كادت ان تُحكم حول رقبة نظامها انفكت. ولأنها بدأت استعادة لبنان. ولأنها تقاتل الآن وإن على نحو غير مباشر لكسر سيف المحكمة المصلت فوق رأسها. ولأن الاعتراف بـquot;اوراقهاquot; المهمة وتالياً بدورها الاقليمي عاد الى العالم. وليس لأننا نتزلف اليها بعدما عادت quot;عزيزة مكرّمةquot; من اعدائها في الداخل اللبناني وفي الخارجين العربي والدولي. ولأن مصلحة لبنان تقتضي اقدامه على تفاهم نهائي معها يحفظ استقلاله وسيادته ويعترف بمصالحها. وهذا امر كان يجب ان يقوم به بعد انسحابها من لبنان في 2005 على حد قول جهات دولية مهمة جداً معنوياً وعرف عنها دائماً الاهتمام بلبنان وليس بسوريا.
طبعاً لا يعني كل هذا الكلام ان سوريا صارت في أمان وان لبنان صار جرماً ثابتاً في فلكها. فالمواجهة مستمرة بين محورها والمحور الآخر. لكن اهميتها اكبر من اهمية لبنان وقدرتها على الفعل السلبي والايجابي كبيرة. والحاجة اليها لاستقرار المنطقة ضروري. ومن شأن ذلك نجاحها في تحقيق بعض اهدافها وليس كلها شرط ان لا ترتكب quot;خطأ الشاطر الذي يساوي الفاًquot;. ولا ضمان لذلك لأنها ارتكبت مثله عام 2004 وعام 2005 وأدى الى ما أدى اليه. انطلاقاً من ذلك يتمنى اللبنانيون الراغبون فعلاً في إنهاء ملف quot;العداءquot; مع سوريا ان يهتم الذين طمأنوها في العالم بطمأنتهم ايضاً، لأنهم يحتاجون الى ذلك كثيراً.
التعليقات