عصام نعمان
أنشئت ldquo;المحكمة الدولية الخاصة بلبنانrdquo; بقرار مجلس الأمن الرقم 1757/2007 . مهمة المحكمة محاكمة من يثبت التحقيق تورطه في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني المرحوم رفيق الحريري .
حكومة لبنان، برئاسة فؤاد السنيورة، تركت آنذاك لمجلس الأمن ان يحلَّ محل مجلس النواب في إقرار اتفاقية إنشاء المحكمة ونظامها الأساسي وذلك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
بعد نحو ثلاث سنوات على إنشاء المحكمة، اعترف وزير العدل السابق والصديق الصدوق لآل الحريري الدكتور بهيج طبارة بأنه كان ldquo;بالإمكان الانتظار للتوافق على المحكمة ونظامها والمصادقة عليهما في مجلس النواب بدل أن يضع مجلس الأمن يده عليهماrdquo; (جريدة ldquo;السفيرrdquo; تاريخ 31/3/2010) . ولم يتوانَ الدكتور طبارة عن كشف مفارقة لافتة : ldquo;انها المرة الأولى التي تحل فيها الأمم المتحدة محل مجلس النواب في أي بلد في العالم ( . . .) إننا أمام اتفاقية بين دولة والأمم المتحدة من دون مصادقة دستورية من جانب البلد المعنيrdquo; . لماذا؟
لا يجيب وزير العدل السابق عن هذا السؤال المحرج، لكنه يعترف، مرةً اخرى، بأن ldquo;أي مدعى عليه يستطيع ( . . .) أن يطرح أسئلة حول شرعية المحكمة ومدى استيفائها الشروط القانونيةrdquo; .
المدعي العام لدى المحكمة الدولية لم يتهم احداً حتى الآن . عندما يفعل، ربما سيطعن المتهمون ليس بشرعية المحكمة فحسب، بل بشرعية التحقيقات التي اجرتها أيضاً . ذلك أن عيوباً كثيرة فادحة وثابتة اكتنفتها ولاسيما في ظل اول رئيس للجنة التحقيق القاضي الالماني ديتلف ميلس (الذي جرى إبعاده عن رئاستها لاحقاً) .
حملة استهداف حزب الله والمقاومة ما زالت مستمرة . هي في الواقع بدأت من خلال تسريبات مشوهة للحقيقة ظهرت في جريدة ldquo;السياسةrdquo; الكويتية في شهر مارس/آذار ،2005 ثم في جريدة ldquo;لوفيغاروrdquo; الفرنسية خلال شهر اغسطس/آب ،2006 ثم في مجلة ldquo;دير شبيغلrdquo; الألمانية خلال شهر مايو/أيار ،2009 واخيراً في صحيفة ldquo;لوموندrdquo; الفرنسية خلال شهر فبراير/شباط 2010 .
يقول السيد نصر الله إنه جرى التحقيق والتدقيق في التسريبات المشكو منها فتبيّن لحزب الله أن مصدرها مكتب المدعي العام لدى المحكمة الدولية . ما الدليل؟
لاحظ مسؤولو حزب الله أنه في كل مرة كانت إحدى الصحف تشير في تسريباتها المنشورة الى اعتزام لجنة التحقيق استدعاء اعضاء في حزب الله أو أصدقاء له حتى يتم الاستدعاء وفق التوقيت المحدد في الصحيفة ذات الصلة ومن أجل التحقيق معهم في المواضيع نفسها التي اشارت اليها .
لهذه الأسباب وغيرها أعلن قائد المقاومة في المقابلة التي اجراها معه ldquo;تلفزيون المنارrdquo; ليلة 31/3/،2010 انه لا يثق بالمحكمة الدولية لأن قضاتها ومسؤوليها لم يلتزموا سرية التحقيق، ولأنها لم تعمل بشكل مهني، إذ ركزت دائماً على فرضية واحدة في تحقيقاتها بدل أن تعمل على فرضيات عدة . فهي ركزت، بادىء الأمر، على سوريا والضباط الأربعة، ثم تجاهلت فرضية قيام مجموعة السلفيين ال 13 الذين اعترف بعضهم بالمشاركة في عملية الإغتيال لا لشيء إلاّ لأنها لا تخدم سيناريو اتهام سوريا او اتهام حزب الله . الأنكى من ذلك، انها تجاهلت فرضية قيام ldquo;إسرائيلrdquo; باغتيال الحريري ldquo;ما يشكّل إهانة لهذا الرجلrdquo; .
اليوم يجد السيد نصرالله أن تسريبات الصحف والصالونات والقيادات السياسية المعادية تركّز على اتهام المقاومة بالجريمة النكراء بعدما قام مكتب المدعي العام باستدعاء 12 شخصاً من أعضاء الحزب ومن اصدقائه للتحقيق . فالأمر كله لا يعدو كونه حملة سياسية مرتبطة بمخططات دولية وإقليمية للنيل من المقاومة . ومع ذلك فإن حزب الله مستعد للتعاون مع المحكمة الدولية ldquo;لأننا نريد معرفة حقيقة من اغتال الحريري ومواجهة التضليلrdquo;، كما أكد قائد المقاومة .
هل من شروط للتعاون؟
نعم، يجيب نصر الله: ldquo;محاكمة شهود الزور ومن يقف وراءهم، ومحاكمة المسّربين، ووقف التسريبrdquo; .
هل تستطيع المحكمة الدولية الوفاء بهذه الشروط؟
لعل تباشير الجواب تتضح من خلال ما ستفعله المحكمة في المستقبل المنظور في مجالين: صفة الشهود الستة الذين تنوي المحكمة استدعاءهم للتحقيق، والنهج الذي ستعتمده في هذا الشأن . فالمحكمة لم تستدعِ حتى الآن أي عضو قيادي من حزب الله، بل حققت مع مسؤولين ثانويين، أحدهما معني بالشؤون الثقافية والآخر بالتواصل مع التنظيمات الفلسطينية . ولا شك في أن استدعاء أعضاء قياديين في المستقبل سيعني بالتأكيد رفع منسوب الشك بعلاقة حزب الله بعملية الاغتيال كمقدمة لإتهامه بها . كما أن التحقيق مع الشهود وفق التسريبات التي نشرتها الصحف وتداولتها الصالونات السياسية ينمُّ عن سوء نية وانحياز، إذ يؤكد ما أعلنه السيد نصرالله أن مصدر التسريبات هو مكتب المدعي العام لدى المحكمة الدولية .
يتحصّل من مجمل ما تقدم ذكره أن السيد حسن نصرالله أفلح في دمغ المحكمة الدولية بعدم الشرعية، واتهام قضاتها ومحققيها بالانحياز وعدم المهنية، ومن يقف وراءها بمخطط فاضح لتسييس التحقيق والمحاكمة بقصد النيل من المقاومة .
هكذا تجد المحكمة (ومن يقف وراءها) نفسها أمام خيارات ثلاثة:
أن تحاكم شهود الزور ما يؤدي الى نقض التحقيقات السابقة، ويسيء الى نزاهة القضاة والمحققين، ويطعن بالتالي صدقية المحكمة نفسها .
أن يلجأ قضاتها، كلهم أو بعضهم، الى التنحي الأمر الذي يضرب صدقية المحكمة وقد ينهي وجودها .
أن يلجأ قضاتها الى إطالة التحقيق ومن ثم الى اصدار قرار بعدم توفر أدلة ضد أيٍّ من المشتبه فيهم وبالتالي اغلاق ملف الدعوى .
إن أياً من هذه الخيارات يبقى أفضل وأكرم لقضاة المحكمة الدولية ولمن يقف وراءها من اصدار حكم تجريمي ملفق ضد حزب الله . ذلك أن أحداً لن ينطلي عليه او يأبه له : لا شعب لبنان، ولا شعوب العالم، ولا حتى آل الحريري .
التعليقات