طوعياً واختيارياً جاءت وفود على مستويات مختلفة من العراق للمملكة ونحن ليس بيننا حدود تمنع التواصل مع كل المكونات العراقية، أو كما قال سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل.. نقف على مسافة واحدة من جميع السياسيين العراقيين.. والذين يستغربون مجيء هذه العناصر، ويحاولون إعطاءها صوراً خارج شكلها الصحيح بما فيه الاتهام بأن المملكة تؤيد وتدعم شخصيات أو أحزاباً على أخرى، هو أمر معتاد في معظم الأحوال العربية التي اعتدنا تحويل قضاياهم الحساسة على جهة قريبة أو بعيدة نتيجة فشلهم وعجزهم عن معالجة مشاكلهم..
فالمملكة نأت بنفسها عن حالة العراق ليس فقط كموقف سياسي وأخلاقي، بل لأن رؤيتها الدائمة أن في العراق من هو لا يحتاج إلى التوجيه بسبب قصور في المؤهل والشخصية القادرة على إدارة شؤونه بأيدي رجاله، وأن خياراته الحرة بدون تدخل الآخرين، هي التي تحرره من الاستقطاب والتأثير على اتخاذه القرارات التي تتناسب وحالة الانتقال الذي يعيشه..
فقد جاءت وفود بشكل رسمي وبطلب مسبق، وأخرى اختارت زيارات أخوية وثالثة جاءت على مستوى قمة الدولة، وليس في هذا التحرك ما يحرم اللقاءات والمشاورات وتقويم سياسات البلدين تجاه بعضهما، بنفس الوقت لا قيود على القيادات العراقية أن تذهب لكل الجهات إذا كان ذلك يأتي في المصلحة الوطنية قبل غيرها، وليست مطالبة أن تأخذ الإذن من أحد..
فالمملكة ليست بواد منعزل، أو جزيرة نائية يغيبانها عن الهموم والقضايا العربية، والعراق جزء منها، وقد سعت بكل الظروف والمناسبات ألا يتحول العراق إلى بؤر صدام وتصفية حسابات بين فرقاء يستغلون ظرفه الحساس، وحتى في الانتخابات التي جاءت لتحدث تطوراً جديداً في تلاحم العراقيين حول وحدتهم الوطنيه، أبطلت أي مفعول إقليمي أو عربي أن يشكل مصدراً لتغيير المسارات، أو أن يذهبا بالطوائف والعشائر وغيرهما بأن يكونا لعبة سهلة الإدارة، مما أكد أن وعي المواطن هناك كبير وهام في قلب المعادلات في مثل هذه الأحوال..
ثم إذا كانت روابط البلدين مغرقة في القدم، وتتفوق على غيرها تاريخياً، فما هو السبب الذي يجعل القطيعة هي الأساس، حتى لو تباينت السياسات والمواقف، طالما الحوار واللقاءات يعطيان الفرصة لإزالة كل المعوقات، ثم هل يحرم على المملكة ما يباح لغيرها لمجرد أن تعلن وجهة نظرها بكل صدق وبما يتوافق ومصلحة البلدين؟
هناك متغير في العراق قد يضع حداً للتشطير والتوزيع اللامسؤول للجغرافيا والدين، والقبيلة والعائلة، لأن تجارب ما يزيد على ثلاثة عقود من الحروب والاغتيالات ثم الاحتلال الأمريكي، ودورات العنف التي صاحبته، خلقت عند العراقيين الأسباب التي تجعلهم على قناعة بأن ما جرى نقطة سوداء في تاريخهم، وتجاوزها يحتم أن ينظروا لبعد المستقبل، لا الماضي بمآسيه ونتائجه السلبية، والمملكة التي تدرك مسؤوليتها تجاه أمتها أن العراق بلد مجاور وكل ما يحدث فيه يؤثر على محيطه، وعملية أن يتجاوز ظروفه الراهنة يعتمد على تعاون مفتوح يؤدي إلى فتح آفاق جديدة نحو التفاهم والتعاون في كل المجالات، وهي مسألة لا يقررها الخيار الثابت والمتحرك، بل واجبات الجوار وحساسيته، وهو ما تنبه له الطرفان، ويحاولان قيادته إلى برّ الأمان..
التعليقات