فهد السلمان

ظهر منتظر الزيدي صاحب أشهر حذاء عربي ، والذي بز حذاء أبي القاسم الطنبوري .. قبل أيام في إحدى المطبوعات العربية وهو يشكو بثه وحزنه إلى الله ، فالملايين التي انهالت عليه عبر الأثير من كل حدب وصوب .. من الخليج ولبنان وفلسطين وموريتانيا ، ومصاغات الذهب التي غادرت أعناق الحسان على موعد مع يمينه التي رشقت الرئيس الأمريكي السابق بالحذاء ، والعرائس اللواتي تجاوزن عدد محظيات قصور المستطرف وألف ليلة وليلة ، وزفهن الإعلام العربي إليه بلا مهور ، والسيارات الفاخرة والهدايا الثمينة .. كلها طارت أدراج الرياح ، وأصبحت هباء منثورا ، ولم تبق منها سوى ذكرى زوبعة في فنجان جف بثفله .

خرج الرجل من المعتقل بعد أن أسس في أوهامه المؤسسات ، و بنى في أحلامه القصور .. فلم يجد من يلتفت إليه بعد أن انفض عنه السامر ، ومسحت الريح آثار وبقايا الحفلة الصاخبة ، ودهن ليل الشارع العربي كلامه بأجود أنواع الزبدة الهولندية كاملة الدسم ، باستثناء محطة لبنانية واحدة أجرت معه حوارا باهتا لم يسترع انتباه أحد .. حتى الفضائية التي يعمل لحسابها قلبت له ظهر المجن ، ولم يبق من بطولته الحذائية غير صرح من خيال فهوى ، أما الرئيس بوش هدف رصاصة الحذاء الطائش .. فقد خرج هو الآخر من البيت الأبيض ، ولم يعد إليه إلا عندما تنبه إلى أن حراسه قد وضعوا طقم الملاعق الرئاسية ضمن أمتعته الخاصة ، فعاد لبعض الوقت ليضعها في رف المطبخ تحت تصرف السيدة ميشيل أوباما . ليخرج إلى غير رجعة.

مشكلة منتظر أنه تعامل في التعبير عن موقفه بوجدان الشارع العربي ، وهو وجدان مضروب ومنتهي الصلاحية بفعل تعدد النكسات ، حد التوهم بأن ثم نضال عاطفي يمكن أن يحل بديلا لمنطق القوة السياسية والعسكرية التي فقدت الأمة أدواتها منذ زمن بعيد ، بعد أن سدرت في غيها بخطب الثوريين الذين أفنوا أعمارهم وهم يريدون أن يقذفوا بالمحتل في عرض مياه البحر ، وإذا به يقذفهم بالمرارات يوما بعد آخر ، لكن منتظر لم ينتظر صبح تلك المواعيد التي وضعت حذاءه فوق رأسها ، وعندما انطفأ وميض الفلاشات لبس الجميع أحذيتهم وغادروا حفلة المواعيد .. لكنه لم يسمع قرع نعالهم ، وبقي منتظر مع حذائه وأحلامه يفتش في بقايا الكلام عن مجسم ذلك المجد الذي احتل فضاء ناطحات منهاتن المنهارة .. لكنه لم يستغرق في الصمود ما هو أطول من ساعة الانهيار .

ترى هل استوعب الرجل أننا الأمة الوحيدة التي تستطيع أن تصنع من ( فشة الخلق ) بطولة ، وإن أدارت ظهرها لها حتى قبل أن يعود الأدرينالين إلى مستواه الطبيعي ؟ !! .