عبدالله ناصر الفوزان

في مقابلة مع وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط بعد القمة العربية الأخيرة التي عقدت في مدينة سرت بليبيا سئل أبوالغيط عن موقف مصر من الاقتراح الذي تقدمت به سوريا للقمة بإجراء مصالحة عربية، فقال مستنكراً هل هناك من يرفض المصالحة العربية..؟؟ وهو يقصد كما يبدو أن مصر تؤيد الاقتراح.. ثم استدرك فقال إن الوفد المصري اقترح إجراء تعديلات طفيفة على المشروع المقدم لكنها مع كونها طفيفة فإنها أي التعديلات المصرية المقترحة ndash; ومازال الكلام لأحمد أبوالغيط ndash; لها تأثيرات عميقة، وأراد أن يوضح كيف يمكن أن تكون التعديلات طفيفة وفي الوقت نفسه قوية التأثير، فذكر مثالاً لتلك التعديلات التي اقترحتها مصر، واختار الجزئية المتعلقة بإيقاف الحملات الإعلامية، فقال إن الوفد المصري طلب إضافة كلمة (الموجهة) ليكون النص ((إيقاف الحملات الإعلامية الموجهة)) وأراد أن يوضح أكثر، فقال إن ما قصده الوفد المصري بإضافة هذه الكلمة أن في مصر إعلاماً موجهاً من الحكومة يتمثل في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي وإعلاماً حراً، والإعلام الرسمي توجهه الحكومة أما الإعلام الآخر الحر فلا توجهه ولا تستطيع التدخل فيه، وكان قصده كما هو واضح أن يسري النص بإيقاف الحملات الإعلامية على الإعلام الذي توجهه الحكومة وتتدخل فيه. أما الإعلام الآخر ويتمثل في الصحف والقنوات الفضائية التابعة للقطاع الخاص فيستثنى من النص لأن الحكومة ndash; كما قصد أبوالغيط ndash; لا توجهه وبالتالي لا تستطيع التحكم في الحملات الإعلامية التي يقوم بها إلا عن طريق القضاء، وفكرة وزير الخارجية أحمد أبوالغيط واضحة، ولكن من الواضح أيضاً أنها من أساليب الكيد السياسي، إذ إنه يقصد كما يبدو أن الإعلام السوري موجه من الحكومة بعكس الإعلام المصري، ومما يرجح كون ما قال من الكيد السياسي أنه قال ذلك وهو يبتسم أحياناً على ما أذكر.
ما قاله أبوالغيط يمكن أن يكون مدخلاً لنا لنبحث حالات العتب الشديدة التي توجهها وزارة الإعلام عندنا لصحفنا عندما يرد فيها نقد لإحدى الدول العربية، بل لمصر بالذات، بناء على شكوى من السفارات المصرية وغير المصرية، فوزارة الإعلام تعتبر النقد الذي توجهه أي صحيفة في المملكة أو أي كاتب سعودي لنظام أي بلد عربي إحراجاً للمملكة ولذلك تتدخل وتعاتب الصحيفة، بل توجهها بعدم توجيه النقد للبلد العربي.
الذي قاله وزير الخارجية المصري يفهم منه أن الحكومة المصرية لا تتدخل فيما تقوله وسائل الإعلام المصرية غير الحكومية، ولا تستطيع منع أي حملات تقوم بها ضد أي دولة عربية لأنها لا تخضع لتوجيهها، في حين يفهم مما تفعله وزارة الإعلام عندنا أن الصحافة عندنا عندما توجه النقد ولا أقول تنظم الحملات الإعلامية ضد أي دولة عربية فإن ذلك يحرج الحكومة، وأن يكون ما يصدر في صحفنا من نقد لأي دولة عربية يحرج الحكومة فهذا يعني اعتقاد الحكومة أن ما يصدر من صحفها غير الحكومية يمثلها، بعكس ما عبر عنه أبوالغيط من أن ما يصدر من الصحف المصرية غير الحكومية لا تستطيع أن تتحكم فيه الحكومة وبالتالي فهو لا يمثلها.
ومن هنا يأتي السؤال الهام، فهل تصرف وزارة الإعلام عندنا مع الصحف عندما تنشر نقداً لإحدى الدول العربية يعني اقتناعها بأن صحفنا كما يفهم من تعبير أبوالغيط هي مثل الصحف السورية توجهها الحكومة وليست حرة مثل الصحف المصرية..؟ هذا سؤال يفترض أن تتأمله وزارة الإعلام عندنا، وتجيب عليه، فإن كانت صحفنا غير حرة وتوجهها الحكومة فينبغي الإفصاح عن هذا لتكون الأمور معروفة، أما إذا كان الأمر ليس كذلك، وأن صحفنا غير الحكومية هي مثل الصحف المصرية غير الحكومية، حرة ولا توجهها الحكومة فالمفروض أن تقف وزارة الإعلام مما ينشر فيها حتى لو كان نقداً لإحدى الدول العربية الموقف نفسه الذي عبر عنه أبوالغيط فلا تتدخل فيما ينشر ولا توجه العتب وإذا عوتبت من السفارات العربية خاصة السفارة المصرية فالمفروض أن تقول عن صحافتنا ما قاله أبوالغيط عن الصحافة المصرية من كونها حرة لا توجهها الحكومة ولا تستطيع التدخل فيما ينشر فيها.

توثيق

في إحدى حلقات برنامج واجه الصحافة في قناة العربية، الذي يقدمه الزميل الأستاذ داود الشريان، كان ضيف الحلقة وزير إعلامنا الدكتور عبدالعزيز خوجة، وكان رئيس تحرير الوطن الزميل الأستاذ جمال خاشقجي أحد المحاورين فيه، وقد طرح الأستاذ جمال سؤالاً على وزير الإعلام مضمونه هذا العتب الذي توجهه وزارة الإعلام لصحافتنا عندما ينشر فيها نقد لأحد الأنظمة السياسية في الدول العربية والذي لا يحصل مثله في الدول العربية الأخرى عندما توجه صحافتنا نقداً للمملكة. وكان مضمون إجابة الوزير يفيد بمشروعية هذا العتاب وأن الدول الأخرى تفعل الشيء نفسه مع صحافتها، ولكن ها هي إجابة وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط في المقابلة التي أجريت معه تتضمن عدم صحة هذا الأمر الذي يتطلب من وزير إعلامنا إعادة النظر.