حسام عيتاني
لا تضاهي الانتخابات البلدية اللبنانية ضآلةً في الجاذبية سوى تلك المباراة بين laquo;التيار الوطني الحرraquo; وraquo;تيار المستقبلraquo; حول الاتفاقية الأمنية ووزارة الاتصالات. لكن الفقر إلى الجاذبية لا ينفي الغنى في الدلالة والمعنى.
بدأ الجدال الإعلامي المذكور بجولة أطلقها وشارك فيها laquo;حزب اللهraquo; ضد قوى الأمن الداخلي ومديرها العام المحسوب على laquo;المستقبلraquo;. فردّ هذا بحملة على وزير الاتصالات الممثل لـ laquo;الوطني الحرraquo; في حكومة الوحدة الوطنية.
محض إضاعة للوقت متابعة تفاصيل الحملتين وأي من الحاملين أعباء الحملتين اللتين يمكن تلخيصهما بأن الأولى منهما تتعلق بإظهار حرص فريق مشارك في الحكومة على الأمن الوطني مقابل فريق حكومي آخر يستهتر بمقتضيات أمن مواطنيه. أما الحملة المقابلة فتتخذ من الحرص على سلامة الأداء الإداري شعاراً. المتخاصمان في الحملة الثانية حالهم حال أترابهم في الأولى، في الشراكة في الحكومة.
يصعب وسط عجاج الخطب العصماء المنافحة عن الأمن والنزاهة وفي ظل التلويح بإجراءات سياسية وبرلمانية، الوصول إلى تقويم موضوعي لما تنطوي عليه أي من المسألتين من خطر على أمن اللبنانيين. فالطابعان الكيدي والصبياني للحملتين لا يتركان مجالاً لنظر مستقل يقوم على ما تفترض أن تقوم عليه أي محاولة لتحديد مضمون القضيتين أو المسار الذي يتعين أن تسلكاه وفقاً للقانون. بل أن laquo;التكنيكraquo; يكاد يكون واحداً في الحملتين laquo;المستقبليةraquo; وraquo;الوطنية الحرةraquo;. وقوامه:1- إنكار الفريق المُتهم وجود قضية في الأصل.2- إظهار براهين وأدلة أن الفريق الآخر وافق في مناسبات معلومة ووقع على وثائق منشورة، على ما يقول أنه مصدر خلل خطير يهدد الأمن.3- يضع الطرفان الشخص المستهدف في الحملة (اللواء أشرف ريفي الذي يتعرض لهجمات laquo;التيار الوطنيraquo; وحلفائه، والوزير شربل نحاس الذي يطلب نواب laquo;المستقبلraquo; استقالته) في موقع لا تطاله الشبهات لا من بين يديه ولا من خلفه. الواقع يقول إن في وسع المسؤول الإداري أو السياسي اللبناني أن يرتع في فساد لا حد له، فلا يظهر من يسائله طالما ان laquo;ظهره محميraquo; بجماعته وعصبيتها. أما النزاهة والشفافية فكلام لا يقدم ولا يؤخر.
يبدو الأمن هنا أداة في المهاترات السياسية أكثر منها مهمة تؤديها أجهزة تخضع لقوانين. ولا يخفى أن جلّ ما يفعل التياران هو التراشق بحطام السياسة وأنقاضها بعدما سُحب إذن العمل السياسي المفتوح في لبنان بعد اتفاق الدوحة والانكفاء الأميركي والمصالحات العربية. تركت التطورات هذه أحزاب اللبنانيين وتياراتهم في حاجة إلى تبرير ذاتها والبحث عن laquo;علل وجودraquo; أمام أنصار هُزموا في الانتخابات النيابية (laquo;التيار الوطنيraquo;) أو اضطرت قيادتهم الى اتخاذ ما لا ترغب أو تريد من الخطوات والمواقف (laquo;المستقبلraquo;).
بيد أن مرارتين لا تصنعان وِدّاً. ولا يجد laquo;التيار الوطنيraquo; من منفس له وتعويض سوى في شن هجمات على خصمه المفضل المُمثَّل في laquo;المستقبلraquo;. سواء كانت الاتهامات تنطوي على مضمون أم لا. في المقابل، يبدو laquo;المستقبلraquo; في أمسّ الحاجة إلى تمرير الوقت بمعارك يعلم سلفاً أنها لن توفر له لا شعاراً ولا خصماً فعلياً. الشعار (laquo;الحقيقة والعدالةraquo;) سحب من التداول والخصم (laquo;حزب اللهraquo;) يحظى بحصانة أقليمية لا تحتمل مناوشات جانبية.
في هذه الأثناء، ليس أمام laquo;الوطني الحرraquo; وraquo;المستقبلraquo; غير ترك خطبائهما يصولون ويجولون في طول وعرض ساحة خاوية من غير أنقاض السياسة.
التعليقات