جميل الذيابي

ربما يمكن وصف العلاقة بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والصحافيين الخليجيين بالطردية أو العكسية، كما يقال في الفيزياء لوصف العلاقة بين متحولين في معادلة ما. لكن الأكيد أنها علاقة هشة وضعيفة، وتفتقد الثقة من طرف الوزراء من دون الصحافيين.

هناك علاقة laquo;شبه مشلولةraquo; تعبّر عن عدم laquo;ائتمانيةraquo; الصحافي الخليجي من جانب وزراء دول الخليج. أيضاً هناك تباعد و laquo;توجسraquo; بين الجانبين، فلا علاقة واضحة بين هؤلاء الوزراء والصحافيين الخليجيين المهتمين بالشأن السياسي، على رغم كثرة الأزمات والتحديات التي تواجه البلدان الخليجية الغنية بالنفط. ربما واحد أو اثنان من هؤلاء الوزراء له علاقة laquo;لا بأس بهاraquo; بالصحافيين الخليجيين، أما البقية فإنهم يكادون يصبحون مصابين بمرض معدٍ يُخشى نقله إلى الصحافي الخليجي laquo;المغضوب عليهraquo;!

عندما يتحدث الصحافي الخليجي، أو يحاول سؤال وزير خارجية دولته عن أمر أو قضية سياسية، فإنه يعود بلا جواب أو بردٍّ متثائب. يأتي الصحافي إلى الوزير الخليجي مبتسماً، فيجده laquo;مكفهراًraquo; متحفظاً، كأنه يخشى دخول معركة laquo;التوريطraquo; التي يحيكها له ذلك الصحافي الخليجي laquo;الأرعنraquo;، أو لربما يتقول عليه بما لم يقله.

ربما يتحاشى وزراء دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، الإمارات، عمان، الكويت، قطر، البحرين) التصريح إلى الصحافيين الخليجيين، خشية تقطيع أوصال حديثه السياسي laquo;المقدسraquo;، لكن تلك التصريحات عندما تُقَطَّع أوصالها في الصحافة الغربية، تُوصف من جانبه بأنها مهنية وذات جودة عالية.

laquo;عقدة الخواجةraquo; لا تزال قائمة، ولم يشأ أن يتخلص منها وزراء خليجيون منذ منتصف القرن الماضي، حتى وإن تغيّرت الأسماء والصفات.

يبدو أن البدلة والكرافات لا تزالان في العرف الخليجي تحفزان على الثقة والنقل الموثوق، وتدفعان إلى التصريح بالأفكار التنويرية وولادة الإجابات السياسية، خصوصاً أن الرأس لا يُغطى بغربال، والشعر laquo;الأصلعraquo; لماع، والأسنان لا تُخفي الابتسامات لتضحك للسناء والضياء السياسي.

يتحدث وزراء خارجية دول الخليج إلى الصحافي الأميركي أو الأوروبي بلغة سهلة ممتعة مباشرة تحلّق على كل الملفات السياسية الساخنة والهادئة. لغة تختلف تماماً عندما يتحدثون إلى صحافي خليجي يلبس laquo;دشداشةraquo; ويعتمر laquo;عقالاًraquo; أسود. يعود الصحافي الخليجي بـ laquo;فتات أخبارraquo; لا تستحق النشر في أسفل صفحات الصحيفة الداخلية.

يتناسى الوزراء الخليجيون أن الإعلام في كل دول العالم يشغل مكانة laquo;مرموقةraquo; بين السلطات الأساسية التي تمارس وظائف الدولة، بفضل تطور تكنولوجيا laquo;الماكينةraquo; الإعلامية، واتساع شبكات الاتصال العالمي، والتصاق الوسائل الإعلامية laquo;مباشرةraquo; بطموحات الجماهير وتطلعاتهم، كما أن الإعلام وصدقيته يعكسان حال البلدان، وتميزها من تخلفها.

الإعلام الخليجي قادر اليوم على نقل المتغيّرات، والإسهام في الدفع بالإصلاحات إلى الأمام، وإشعال ثورات وطنية في نفوس المجتمعات المحلية، من خلال الرصد والمتابعة والتحقيق والنشر الموثوق، لا كما يتصور هؤلاء الوزراء.

أعتقد أن على الصحافيين الخليجيين تبديل الثوب والدشداشة والشماغ والعقال ولبس بدلة إيطالية و laquo;كرافاتraquo; أميركية، ووضع laquo;الجلraquo; على laquo;الشعور المتصحّرةraquo;، فربما تتفتح سرائر هؤلاء الوزراء وتتبدل لغتهم وترأف قلوبهم بهؤلاء الصحافيين laquo;المساكينraquo;، فحينما يثبت لهم الصحافي الخليجي أنه يتطوّر ويفهم في الموضة الغربية ويلبس laquo;الهاتraquo; و laquo;التايraquo;، وله أحلام كبيرة، كما أنه أكثر حرصاً على مستقبل بلاده من الصحافي الغربي، فلربما نعلق laquo;عقدة الخواجةraquo; على المقصلة النهائية، وندشّن مرحلة جديدة في علاقة وثيقة بين وزير يتحدث باسم سياسة بلاده، وإعلامي يسأل بروح صحافية عن أمر في بلاده، رغبة في نقل خبر وموقف سياسي جديد. وإذا لم تنفع تلك الحيلة، فمن الأجدى مقاطعة مؤتمرات الوزراء الصحافية، وعليهم استيراد صحافيين من خارج الحدود بـ laquo;أكواتraquo; كستنائية!