خيري منصور

قد لا يكون حصاناً بالمعنى الدقيق، فهو أحياناً بغل أعرج، أو ثور أعمى، لكن العربة الأمريكية ذات العجلات الخمس تنساق وراءه بقوة ولا يعوقها شيء للسقوط في الهاوية .

في الحرب على العراق، كانت الأجندة الصهيونية قد طغت على أجندة واشنطن، وهي المرة الأولى في هذا القرن على الأقل التي يقتاد فيها جنرالات الدولة الصهيونية البنتاغون لتحقيق أهداف صهيونية ذات طلاء أمريكي، لكنه طلاء هش لم يصمد طويلاً تحت شمس عراقية سليطة . لهذا تعاقبت الفضائح أو الجيتات حسب مصطلحات المعجم الأمريكي منذ ووترغيت حتى أبو غريب غيت، وليس انتهاء بما كشف عنه مؤخراً من انتهاكات الاحتلال الأمريكي لمصائر العراقيين بالجملة، والذريعة الملفقة لما سمي سلاح الدمار الشامل في العراق، تتكرر الآن وفق النهج ذاته، وإن كان الاسم والموقع قد تبدّلا، وما التحريض الإعلامي على هذا النحو الدراماتيكي ضد دمشق إلا تمهيداً لعدوان تنزلق العربة الأمريكية فيه وراء البغل الصهيوني الأعمى، وليس مهماً ما إذا كان القول إن دمشق زودت حزب الله بصواريخ سكود أو ببندقية واحدة لأن الأهم هو نسج مصيدة عنكبوتية، تكون الولايات المتحدة آخر من يعلم بأنه الفريسة لأن الخسائر أمريكية والغنائم صهيونية، وهذا ما انتهت إليه الدراما العراقية بعد احتلال السنوات السبع العجاف .

والحكومة الراهنة في تل ابيب، ليست استثناء من تلك القاعدة التي طالما اعلنها القادة الكلاسيكيون للصهيونية، بدءاً من بن غوريون وهي صرف انتباه الرأي العام في الإقليم والعام عما يجري في موقع محدد، والقرار الأشد خطورة الذي اتخذه نتنياهو هذه الأيام لإبعاد عشرات الألوف من الفلسطينيين يحتاج إلى غطاء، وكثير من الدخان والغبار كي تتم العملية في الظلام .

إنها حروب تُفتعل لتغطية حروب أخرى لكن ليس تبعاً للنهج العسكري في عمليات الانسحاب، فما يحدث الآن هو هجوم وعدوان سافران، لكن بما يتناغم مع ما قاله موشي دايان عن تسمية جيش الاحتلال الصهيوني باسم مضلل ومضاد وهو جيش الدفاع .

والحراك العربي تحديداً كرد فعل على هذا التمهيد لعدوان على دمشق وبيروت قد يبدو لأول وهلة فاعلاً، وذا نفوذ على المستويين الدولي والإقليمي، لكنه في واقع الأمر حراك سرابي، وتصريحات هنا وهناك لا تلتئم في أي سياق دفاعي يمكن الركون إليه، ولأن تل أبيب جربت من قبل هذه البالونات وانتهت الى نتائج اختبارية لصالحها وصالح حماقاتها العسكرية، فهي الآن لا تعبأ بما تسمع من العرب، وقد يقول لسان حالها إن جعجعة بلا طحين بالأمس كانت ذريعة السلاح التدميري الشامل هي أول قذيفة سياسية تلقى على بغداد، لتحاصرها وتشلها، تماماً كما يفعل الصيادون المحترفون بما يسمّونه تدويخ الفريسة قبل الإجهاز عليها .

والآن يحاول نتنياهو الحالم بريادة ثانية لحقبة ما بعد الأسرلة أن يكرر العزف على الوتر ذاته، بحيث يستخف الطرب الولايات المتحدة وإدارتها وترقص وهي لا تدرك أنها تقاد نحو هاوية أخرى، لكأن الاستنقاع في أفغانستان والعراق لم يحقق بعد لتل أبيب ما يكفي من الماء العكر للاصطياد . فهل آن للغيبوبة الأمريكية أن تنتهي قبيل حافة الهاوية؟