حسن عبدالله جوهر

التصعيد الإعلامي والسياسي المواكب لقضية شبكة التجسس لمصلحة الحرس الثوري الإيراني رفع وتيرة الاحتقان الطائفي إلى مؤشرات قياسية من جديد، ومرة أخرى ينكشف مثلث الهشاشة الخطر الذي تعانيه الدولة منذ عدة سنوات، ومع هذه الهشاشة تتضح معالم الخطورة المحدقة بالوضع الداخلي، تلك الخطورة التي لايزال الكثير من معطياتها تحت الرماد.

وفي التعامل الإعلامي مع هذا الموضوع فإن التغطيات الصحفية والمقالات اليومية ذات الطابع الطائفي، خصوصا إذا ما تعرضت لفئات وشخصيات تبقى هي الأكثر رواجاً وقراءة، بل الأكثر اهتماماً لدى المعلقين في المنتديات الإلكترونية ومواقع الإنترنت، بينما يتم تجاهل الآراء والمقالات الموضوعية والحيادية لأنها ببساطة لا تسمن ولا تغني من جوع عند شرائح واسعة متعطشة وتواقة للحروب الكلامية!

أما ثالوث الخطر الذي نقصده في هذا الصدد فيشمل الدور الحكومي والتركيبة المجتمعية ووسائل الإعلام، وكل من هذه الأضلاع الثلاثة يعاني اختلالات صعبة، ويساهم بقصد أو من دون قصد في تذكية الاصطفاف والانقسام والاحتقان، وبالنتيجة المزيد من الضعف والهشاشة في البنية التحتية البشرية للدولة.

فالتردد الحكومي في إعلان الموقف الرسمي من هذه القضية وضبابية بيانات الحكومة المشتملة على حروف ضاعت النقاط عليها فتح الباب أمام التفسيرات والتأويلات، وإطلاق التهم وفق اجتهادات شخصية، ومصادر معلوماتية خاصة من قبل الضلعين الآخرين لهذا الثالوث.

فالصحافة من جهتها تخطت الدور الحكومي بكثير، خصوصا بعد غياب الأخير عن مواكبة الأحداث وسرعتها، وساهم السبق الصحفي والكثرة العددية للصحف من جهة، واتجاهاتها السياسية من جهة أخرى، في المزيد من التصعيد وفتح قنوات التنفيس لثالث أضلاع مثلث الهشاشة وأخطرها.

وهذا الضلع الأخير، هو التركيبة المجتمعية الداخلية بتنوعها الطائفي والفئوي والطبقي التي بدا التلاعب بمشاعرها وتأجيجها وتوجيهها من أسهل الأمور رغم خطورة ذلك.

ولهذا فإن جوهر قضية التجسس والتعرض للاختراق الأمني الذي يفترض أن يقوم على دعامتين أساسيتين هما: معرفة الحقيقة الكاملة لحجم هذه التهمة ومتابعتها من خلال الإجراءات الدقيقة في التحقيق ثم القضاء من جهة، ورص الجبهة الداخلية كصمام أمان لمثل هذا الخطر من جهة أخرى، قد ضعف وهمش بشكل كبير، واستبدل أصل القضية للتعبير عن فقدان الثقة المجتمعية خصوصاً الضرب في الولاءات الوطنية وطريقة توزيعها ومعاييرها الموضوعية!

ولذلك فإن القفز على حصان قضية التجسس لضرب ولاء الطائفة الشيعية لا يختلف في غاياته عند البعض عن استغلال قضايا أخرى مثل قانونية مزدوجي الجنسية لضرب ولاء بعض القبائل في المنطقة الرابعة، وإن اختلفت مواقع المتهمين ومواقع من يتهمهم من جهة، وإن تبدلت طبيعة التهم ذاتها من جهة أخرى.

وكغيرها من الابتلاءات التي عصفت بالبلاد في السابق مثل قضية التأبين وأحداث الصباحية والإعلان عن بعض الشبكات الإرهابية فإن قضية التجسس الأخيرة سوف يخبو نجمها سريعاً، ولكن تظل جراحاتها لتعمق النزيف الداخلي وتزيد من هشاشة تركيبتنا المجتمعية لنبتلى بقصة أخرى من جديد!!