سقط من برجه العاجي وتحول شريكاً عادياً في التمثيل المسيحي

بيروت

مع انتهاء الجولة الثانية من الاستحقاق البلدي أول من أمس, بإنجاز انتخابات بيروت والبقاع, لم ينجح رئيس تكتل quot;التغيير والإصلاحquot; النائب ميشال عون في تعويض خسارته النيابية العام الماضي كما كان يأمل, ولن يكون له في المرحلتين المقبلتين, في الجنوب والشمال, الكثير من الفرص لتغيير هذا الواقع, إذ أن وجود تياره فيهما غير مؤثر (باستثناء جزين), عدا عن أن القوى السياسية في هاتين المنطقتين تتجه نحو التوافق.
وبعد انتخابات جبل لبنان وخسارة عون المدوية, جاءت نتائج بيروت والبقاع لتؤكد الخسارة الأولى, وتبين سلسلة حقائق سياسية, ستترك بصمتها الكبيرة على مصير تياره السياسي.
أولاً: على مستوى النتائج, بينت الانتخابات حتى الآن إلى أن فوز عون ببعض البلديات والمخاتير كان بالاستناد إلى الحلفاء, quot;حزب اللهquot; وquot;حزب الطاشناقquot; الأرمني وquot;الحزب القومي السوريquot;, ولم يكن بأي حال من الأحوال, بقوة تياره السياسي, وهذا تأكيد لما حصل في الانتخابات النيابية الأخيرة, وقد سقطت في الانتخابات الحالية كل المبررات التي قدمها عون لخسارته النيابية, وأبرزها استخدام قوى quot; 14 آذارquot; للمال لشراء الأصوات, واستقدام الناخبين من الخارج.
ثانياً: تتميز الانتخابات البلدية بطابعها الطائفي, لأنها تجري في قرى وبلدات صافية تقريباً طائفياً, وإذا حدث أن وجدت مناطق مختلطة فإنها لا تؤثر على الأغلبية الطائفية في هذه المنطقة أو تلك, ويمكن القول إن الانتخابات البلدية تشكل استفتاء داخل كل طائفة, وقد سقط عون في الاستفتاء المسيحي, وخصوصاً في مدينة جبيل, ومدن وبلدات أخرى في جبل لبنان, وفي الدائرة الأولى في بيروت, أي ما يعرف بالمنطقة المسيحية.
ثالثاً: ترك بعض الحلفاء عون وحيداً في معاركه الخاسرة, فذهب النائب السابق الياس سكاف إلى معركة زحلة متحرراً من عبء التحالف معه, وحقق نتيجة جيدة, وانضمت حركة quot;أملquot; وquot;حزب الطاشناقquot; إلى الائتلاف الذي أقامه quot;تيار المستقبلquot; في بيروت, فنجحا في المشاركة في مجلس بلديتها, وسحبت حركة quot;أملquot; كذلك دعمها لعون في جبيل, فسقطت اللائحة المدعومة منه.
رابعاً: ابتعد quot;حزب اللهquot; قليلاً عن عون ولم يتورط في خوض المعارك الكبرى من أجله, ولم يتجاوب معه في الضغط لنسف الانتخابات البلدية بداية, ولم يضغط على حلفائه لمساندة عون في التحالفات كما حصل في الانتخابات النيابية, وشكل انسحاب quot;حزب اللهquot; من انتخابات بيروت البلدية, مسايرة يتيمة للجنرال, ولكنها غير ذات معنى, لأن الحزب غير قادر على التأثير في نتائج بلدية بيروت, كما أنه تحالف مع quot;تيار المستقبلquot; في انتخابات المخاتير في العاصمة.
خامساً: اضطر عون إلى التحالف مع الخصوم في بعض الأماكن ليحافظ على بعض حضوره, وخصوصاً في جبل لبنان, كالتحالف مع النائب ميشال المر في المتن, والتوافق مع quot;الكتائبquot; وquot;القوات اللبنانيةquot; في الدامور وجونيه, ومع quot;الحزب التقدمي الاشتراكيquot; في مناطق أخرى أقل أهمية.
هذه العوامل مجتمعة أسقطت عون من برجه العاجي, وحولته من الزعيم الأول للمسيحيين في انتخابات 2005 النيابية, إلى شريك محدود لقوى quot; 14 آذارquot; في التمثيل المسيحي في انتخابات 2009 النيابية, إلى طرف سياسي عادي جداً, يغامر ويناور ويبدل تحالفاته وشعاراته للحفاظ على بقائه في الانتخابات البلدية الحالية.
جاء خير تعبير عن أزمة عون مع الشارع المسيحي خصوصاً واللبناني عموماً, من أقرب الناس إليه, رفيق دربه, ونائبه في رئاسة quot;التيار الوطني الحرquot; اللواء عصام أبو جمرا, حين قال, quot;من يزرع الريح يحصد العاصفةquot;, وما لم يقله أبو جمرا الآن, سبق أن قالته وثيقة المعارضة داخل التيار العوني, وسيتكرر قوله حتماً في المؤتمر الذي ستدعو إليه هذه المعارضة, بأن عون زرع التحالف مع quot;حزب اللهquot;, بالتناقض مع تاريخ تياره السياسي, ومع طموحات المسيحيين واللبنانيين بدولة قادرة وعادلة, فحصد الذوبان في بحر القوى الطائفية والمذهبية.