خلف الحربي


والله وتالله وبالله لو مرت كارثة جدة مرور الكرام ونجا المتسببون فيها من العقاب لغرقت كل مدننا وقرانا في بحر الفساد ولأصبحت روح الإنسان أرخص من أحجار الطريق، ما حدث في جدة كان شيئا مريعا، كانت صورة مسربة الينا من عوالم المستقبل القريب تنبئنا بما يمكن أن يقودنا اليه الفساد، وكيف يمكن أن يدفع الناس حياتهم ثمنا لملذات الفاسدين ؟!، وكيف يمكن أن يضيع تعب العمر ويغوص البيت في الوحل ويبكي الأولاد في يوم العيد بينما الفاسدون يقضون الإجازة في أوروبا ؟!. واليوم ها هو الملك الذي تعهد أمام شعبه بأن يضرب بالعدل هامة الظلم يحيل كل من طالتهم الاتهامات في تقرير لجنة تقصي الحقائق إلى هيئة التحقيق والادعاء؛ تمهيدا لمحاكمتهم ما يؤكد أن الجريمة البشعة التي حدثت في جدة لن تمر دون أن يلقى المتسببون فيها جزاءهم العادل، ولا يقف الأمر الملكي عند هذا الحد بل يتضمن جملة من التوجيهات الملكية الواضحة بإنهاء مشكلة السيول في جدة بشكل نهائي ووضع حلول دائمة لمشكلات تصريف مياه الأمطار في كل مناطق البلاد، وإنهاء الكارثة البيئية الدائمة المتمثلة في بحيرة الصرف الصحي في جدة، وتنبيه الأجهزة القضائية والعدلية بوضع الأنظمة الكفيلة بإيقاف التعديات المستمرة على الأراضي، وقرارا بأن العفو لا يشمل جرائم الفساد. مثل هذه القرارات ليست غريبة أبدا من حاكم عادل مثل عبد الله بن عبد العزيز، فهو قريب دائما من هموم شعبه ويشعر بآلامهم وأوجاعهم، ولكن من المهم أن نقرأ هذه القرارات باعتبارها مفترق طرق تاريخي أعلنت فيه حرب وطنية مقدسة ضد قوى الفساد، ومن واجب كل مواطن أن يجد في هذه الوقفة الملكية المباركة حافزا يوميا له لمحاربة الفساد دون خوف، فهو حين يواجه الفساد في أي مكان ويرفضه بوضوح يحمي وطنه من المستقبل المظلم الذي يمكن أن تقوده إليه قوى الفساد. هذا الدعم الكبير يجب أن يكون حافزا للجميع كي يحاربوا الفساد، القضاة ومحققو هيئة التحقيق والادعاء العام بإمكانهم اليوم خدمة دينهم ووطنهم أكثر من أي وقت مضى، المسؤولون والمؤسسات والهيئات الرقابية والحقوقية لديهم فرصة تاريخية كي تكون مؤسساتهم حصنا يحفظ الوطن من جشع الفاسدين عبر مطاردة المخالفات الإدارية والمالية في كل مكان، أعضاء مجلس الشورى عليهم أن يخرجوا من شكلياتهم ويجدوا في هذا الأمر الملكي ما يقوي عزيمتهم لمحاربة الفساد وإنشاء جمعيات ومؤسسات مجتمع مدني تضمن لنا حياة أكثر شفافية ونزاهة. الصحافة السعودية التي كان لها خلال كارثة سيول جدة موقف وطني مشهود، عليها أن تتشبث بدورها المشرف هذا كي يكون منهجا يفيد الوطن والمواطنين، ويعزز موقعها في المجتمع وإلا فإن ذلك الموقف سيكون مجرد ردة فعل طبيعية على حدث كبير !، كل المتطوعين والمتطوعات خلال كارثة السيول والذين أثبتوا أن الشبان هم ثروتنا الحقيقية، عليهم محاربة الفساد من أجل وطنهم وأهلهم وناسهم، كل من فضحوا كوارث الفساد عبر المدونات والفيس بوك واليوتيوب يجب أن يقفوا مع ملكهم ويحاربوا الفساد من أجل وطننا ومستقبل أولادنا .