خالد الجابر

تحت شعار إله واحد، قانون واحد، ملك واحد، أوعز الدكتاتور الصغير لويس الرابع عشر، أتباعه من الأغلبية الكاثوليكية بالانقضاض على الأقلية البروتستانتية وسحقها عن بكرة أبيها لأنها كانت فاسقة، مهرطقة، لا تؤمن بمذهب الأغلبية؟!، ذهب ضحية المجزرة التي أطلق عليها مجزرة laquo;سانت بارتيليميraquo; (The Massacre of Saint Bartholomew) معظم قادة الطائفة البروتستانتية وآلاف الناس من رجال ونساء وأطفال دون تمييز، وانتقلت عدوى التعصب إلى مدن الأقاليم وحصلت مجازر مماثلة في بوردو، ولاروشيل، وليون، واضطر مئات الآلاف إلى الهرب والفرار من ثقافة التعصب والكراهية إلى الدول الأوروبية المجاورة.
استمرت الصراعات والحروب الدامية سجالا بين الطرفين لعقود طويلة فمن يغلب من المذهبين يعود ويستحضر التاريخ ويثير الأحقاد والضغائن ويقوم بالهجوم على مذهب الآخر والتنكيل به وباتباعة ومحاولة محوه وتدميره كلما أتيحت له الفرصة سواء كانت سياسية، عسكرية، اقتصادية، اجتماعية، أو فكرية. إلى أن استطاع التنوير أن ينتشر وينتصر بعد أن خاض الأحرار، المفكرون، المثقفون، الفلاسفة، المعركة الكبرى ضد التعصب والمتعصبين والطائفيين والأيدلوجيين وضد الكهنة والمطارنة والخوارنة ورجال الدين المتزمتين. وتم تغيير التاريخ بفضل أشخاص مثل فولتير، جان جاك روسو، جول فيري، دنيس ديدرو وغيرهم.
ومن زمن القرون الوسطى الأوروبية في القرن السادس عشر، إلى القرون العربية الوسطى في العصر الحاضر، الذي نرى فيه يوما بعد الآخر اتساع هوة الانقسام السنّيّ- الشيعي بين أفراد المجتمع ورموزه ومؤسساته، مهددا الوحدة الوطنية، ويصل إلى الكويت، بعدما اكتوى بنارها العراق، واحترق بها اليمن، لبنان، سوريا، البحرين، والسعودية، وحتى باكستان الدولة غير العربية والمحسوبة علينا باعتبارها مسلمة، ونشاهده يتخفى تحت رماد الفقر والتخلف والجهل والتعصب الأعمى في دول الخليج الأخرى والعالم العربي والإسلامي؟!. ومعه أحداثة الدامية من هجوم وهجوم مضاد، وتجريح وطعن واتهام وتشكيك، وصب للزيت على النار بين الطرفين في وسائل الإعلام والفضائيات العربية، وكأننا انقلبنا على وصية نبي الرحمة (لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض).
ما أحوجنا اليوم إلى صحوة العقلاء، والمنصفين، والمعتدلين، والمفكرين، والمثقفين، عند السنة و الشيعة على حد سواء، هؤلاء الذين أُطلق عليهم في أوروبا القرون الوسطى مصطلح (المهرطقون)، وطالبوا بعزلهم وتكفيرهم وتصفيتهم في الدنيا ولعنهم إلى يوم الدين، بل وإرسال البعض منهم إلى المحرقة لكي يكون عبرة لغيره؟! ليأتوا بعدها ويصنعوا لهم الرموز ويحتفي بهم التاريخ الإنساني وتدرس أفكارهم في التعددية والتسامح والاختلاف والقبول بالآخر والتعايش في المدارس والجامعات العالمية، ويصفهم شكسبير بقوله: ليس المهرطق من يحترق بالنار، بل المهرطق من يشعل المحرقة.

جريدة العالم اليوم الكويتية