خيرالله خيرالله

في ضوء العودة إلى المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتوجب على الجانب الفلسطيني البحث في الأسباب التي أدت إلى تدهور وضعه في الأعوام الأخيرة، وما هي الوسائل الكفيلة بتحسين هذا الوضع؟ هل من سبيل آخر، في المرحلة الراهنة، غير العمل السياسي الذي جاء تتويجاً لنصف قرن من النضالات واجه الفلسطينيون خلالها المحتل الإسرائيلي بكل أنواع الأسلحة والعمليات من داخل الأرض الفلسطينية وخارجها؟
من بين الأسباب التي أدت إلى تدهور الوضع الفلسطيني عموماً، بما هدد القضية التي يقول عرب كثيرون انها لا تزال قضيتهم الأولى، رغم عدم إيمانهم بذلك، الوضع الإقليمي. هناك شرق أوسط جديد في مرحلة إعادة التكوين، خصوصاً منذ الاحتلال الأميركي للعراق الذي أخلّ بالتوازن في المنطقة لمصلحة إيران. شئنا أم أبينا، كانت إيران الرابح الأول والوحيد من الحرب الأميركية على العراق. لم يؤد الاحتلال الأميركي للعراق إلى الاخلال بالتوازن الإقليمي فحسب، بل فجر أيضاً نزاعات كانت المنطقة العربية بعيدة عنها. على رأس هذه النزاعات الحساسيات المذهبية البغيضة التي ساهمت، إلى حد كبير، في ابتعاد الاهتمام عن القضية الفلسطينية.
ثمة عوامل أخرى لعبت دورها على صعيد إعادة خلط الأوراق في المنطقة، بما في ذلك الحرب في أفغانستان، والحال الباكستانية المستعصية التي تسبب بها التطرف الديني والبرامج التعليمية التي في أساسه، والحرب على الإرهاب التي استغلها الأميركي لمباشرة الحملة العسكرية على العراق. لكن ذلك لا يعني أن على الفلسطينيين السقوط في فخ اليأس، لا لشيء سوى لأن قضيتهم قضية شعب موجود على الخريطة السياسية للشرق الأوسط أولاً، ولديه مشروعه الوطني الواضح الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي ثانياً وأخيراً.
من ينظر بتمعن إلى ما تعرضت له القضية الفلسطينية في الأعوام الأخيرة، يتوقف عند محطة مهمة، بل في غاية الأهمية. انها النكسة التي تعرضت لها العلاقة بين السلطة الوطنية الفلسطينية والإدارة الأميركية. سمحت تلك النكسة التي بدأت بفشل laquo;قمة كامب دايفيدraquo; صيف العام 2000، ثم بقرار عسكرة الانتفاضة الذي سبقه غياب الإعلان الفلسطيني الصريح عن دعم الورقة- الإطار التي طرحها الرئيس كلينتون قبل أسابيع قليلة من مغادرته البيت الأبيض، في قطيعة بين واشنطن والسلطة الوطنية الفلسطينية. تكرست القطيعة التي استغلها الجانب الإسرائيلي إلى أبعد حدود، في كارثة تمثلت في وضع ياسر عرفات، رحمه الله، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، في الإقامة الجبرية في ما يسمى laquo;المقاطعةraquo;. وقد تسبب ذلك بوفاته في ضوء ما تعرض له من ضغوط وممارسات غير انسانية لا يمكن أن توصف سوى بأنها إرهاب دولة.
يرمم الفلسطينيون علاقتهم بالولايات المتحدة. يعرفون أن لا دولة فلسطينية من دون دعم أميركي، ويعرفون أن لا شيء يرفع الحصار عن غزة سوى الضغط الأميركي الفعال. وهذا ما تدركه قبل غيرها حركة مثل laquo;حماسraquo;. ولذلك اعترفت أخيراً بتوجيه رسالتين إلى الرئيس باراك اوباما من دون أن يمنعها ذلك من شتم المفاوض الفلسطيني الذي يتعاطى مع الإسرائيلي عبر المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل! ويعرف الفلسطينيون خصوصاً أن ياسر عرفات كان أكثر من زار البيت الأبيض، من بين زعماء العالم، في العام 2000، وأنه لم يعد هناك من يسأل عنه عندما صار أسير laquo;المقاطعةraquo; في رام الله بين العامين 2001 و2004 لمجرد أن الأميركيين قرروا مقاطعته.
من ثمار قبول الفلسطينيين بالمفاوضات غير المباشرة اتصال اوباما برئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس قبل أيام وتأكيده له أنه laquo;يدعم بقوة قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة تعيش بأمن وسلام مع إسرائيلraquo;. توقفت معظم وسائل الإعلام عند كلام اوباما عن laquo;نيّتهraquo; تحميل الجانبين مسؤولية أي عرقلة للمفاوضات في حين أنه كان مفترضاً أن تتوقف عند التزام الرئيس الأميركي دعم قيام الدولة الفلسطينية laquo;القابلة للحياةraquo;. كذلك، كان مهماً في البيان الصادر عن البيت الأبيض اللهجة التي توجه بها الرئيس الأميركي إلى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. انها لهجة تنم عن تعاطف كبير مع قضية الشعب الفلسطيني بدليل ابداء الرغبة في استقبال laquo;أبو مازنraquo; في البيت الأبيض قريباً.
من الباكر الحديث عن laquo;وعد اوباماraquo; للشعب الفلسطيني مقارنة مع laquo;وعد بالفورraquo; لليهود في العام 1917. لكن ما لا يمكن تجاهله في أي شكل أن الفلسطينيين يسيرون في الطريق الصحيح بدليل تركيز حكومة الدكتور سلام فيّاض على بناء مؤسسات الدولة، وتجاهل كبار المسؤولين في laquo;منظمة التحريرraquo; والسلطة الوطنية وlaquo;فتحraquo; المزايدات التي تطلقها laquo;حماسraquo; من غزة. يعرف بعض الفلسطينيين الجديين أن laquo;وعد اوباماraquo; يمكن أن يتحول حقيقة في حال أحسنوا التصرف وتفادوا الانزلاق في متاهات لا طائل منها سوى تقييد القرار الفلسطيني المستقل. في النهاية، هناك سؤال بديهي يفترض بالفلسطيني العادي طرحه على نفسه. هل يريد دولة مستقلة أم لا، هل تسمح التوازنات الإقليمية بأكثر من ذلك، هل من أمل في دولة من دون الرضا الأميركي، أياً تكن الملاحظات على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة؟ الجواب بكل بساطة أنه لا يمكن أن يكون هناك رهان فلسطيني سوى على المفاوضات، وعلى المشاركة الأميركية الفعالة فيها بما يحد من الاندفاع الإسرائيلي نحو تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. قد يكون الرهان على الأميركي في غير محله ولكن لا بديل من العمل على ترميم العلاقة الفلسطينية بواشنطن، أقله من أجل وضع حد لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل- بيبي نتنياهو!