دبي

لم تكن حفلات زفاف الملوك والأمراء في مصر مجرد تعبير عن الفرح أو إشهار للزواج، وإنما كانت إحدى جهات الإنفاق ببذخ من أموال البلاد، وكانت هذه الأفراح ترصد مشكلة العلاقة بين الحاكم والشعب، سواء من خلال مشاركة الجمهور في الحفل أو العزوف عنه، وقد جرت التقاليد على أن يكون إشهار الزواج مقترنًا بإقامة حفل تُحيطه الزينة.

أما إذا اقتصر الأمر على الإشهار والبهجة البسيطة اعتبره البعض من الحكمة، لكن المبالغة كانت سمة مشتركة بين أفراح الملوك والحكماء وأبنائهم في مصر؛ لأن حفلات الزفاف كان من بين أهدافها كيد الخصوم، الافتخار بالثراء، الاشتهار بالكرم والترف.وترسيخ المكانة الاجتماعية؛ لكي يصبح هذا الحفل حديث التاريخ باعتباره أسطورةً تُروى... laquo;الحواس الخمسraquo; قلب في أوراق وصفحات الملوك والرؤساء في مصر عبر التاريخ.مرت الأعراس منذ زمن طويل بأشكال مختلفة، فكل فترة كان لها تقاليدها، وأشهرها انتقال العروس من بيت الأب إلى بيت الزوج في laquo;هودجraquo; يحمله جمل، وخلفه جِمال أخرى تحمل الأهل والأقارب والأتباع.وقد ساد هذا الشكل فترة زمنية طويلة، ثم جاء زمن آخر تستقل فيه العروس عربة مزيَّنة تجرها أربعة أو ستة من أجود الخيول، وتكون العربة مقفلة وبها نوافذ صغيرة عليها ستائر مسدلة، وتتبعها عربات، ويحيط بها فرسان، وتصاحبها الطبول والدفوف.وحولها الأقارب والجيران من رجال يهتفون ونسوة يزغردون وشباب يطلقون النار، حتى إذا ما وصلت العروس إلى بيت زوجها وهبطت من عربتها، أحاط بها الأهل ونثروا عليهم الذهب، ثم تسير في موكب الفرح في بطء تتقدمها راقصة تضرب الصاجات.

ويلاحقها الهتاف والصياح والزغاريد، ونثر الملح خوفًا من الحسد، إلى أن ظهرت السيارات التي تحمل العروسين في دقائق إلى فندق أو نادٍ يجلس فيه المدعوون.

زواج فرعوني

كان القدماء المصريون من أوائل الأمم التي نظمت مسألة الزواج، وابتكرت له مظاهر السرور المتنوعة، وعلى رأسها الأغاني والموسيقى، وتتجلَّى العظمة المصرية منذ فجر التاريخ في حالة التوحد التي جمعت بين الشعب والحاكم في مثل هذه المناسبات.

حيث كان يشارك الجميع في أفراح الملوك، سواء في زواجهم أم زواج أبنائهم وبناتهم، لكن من الواضح أن الزواج الملكي الفرعوني كان مميزًا في عصر الدولتين القديمة والوسطى، وكانت معظم الزيجات الملكية تتم داخل أفراد الأسرة المالكة التزامًا بlaquo;بروتوكولraquo; تولي العرش.

وحفاظًا على نقاء الدم الملكي، لكن ضعفت صرامة هذا التقليد في عصر الدولة الحديثة؛ حيث أصبح شائعًا أن يتزوج الملوك والرؤساء من خارج نطاق الأسرة الحاكمة حتى لو كانت من خارج القطر المصري بالكامل.

وبالرغم من ندرة المعلومات حول الزواج الملكي في هذا الوقت، إلا أن القليل منها يكشف عن روعة وعراقة طقوس الزواج الملكي في مصر، فهناك نص خاص بزواج الملك يخاطب فيه الفرعون المحارب laquo;حُور مُحِبraquo; كبير الكهنة الذي يتولى إشهار الزواج.

ويقول: laquo;فلتأخذ عروس أهوري إلى حيث تتزين وتتجمل؛ لتجهزها بكل ما هو طريف من الهدايا، أما أنا فسوف أهدي إليها مهرها من الذهب والفضة، وقبله حبي حتى يسعد قلبها، فتبتهج معي في ليلة زفافهاraquo;.

ويعد حفل زواج الفرعون - اللغز - laquo;توت عنخ آمونraquo; من أشهر حفلات الزواج التي شهدتها مصر الفرعونية؛ حيث تزوج من الأميرة laquo;عنخسraquo;، إحدى بنات الملك إخناتون، وقد عثر في مقبرة توت عنخ آمون على العديد من اللوحات الأثرية وقطع الموبيليا الخاصة بزواجه تحمل رسومًا رائعة مع عروسه.

أما حفل زواج laquo;رمسيس الثانيraquo;، شهريار التاريخ الفرعوني، الذي تزوج أكثر من 25 مرة، فكان حفلاً أسطوريًا يُقسم فيه لزوجته في كل مرة أنه لن يتزوج بعدها، لكنه أخلف الوعد أكثر من 20 مرة باستثناء آخر زيجاته التي تمت بعد أن قارب عمره 70 عامًا.

قطر الندي

واستمرت طقوس المصريين في الاحتفال بزواج الحُكام حتى الفتح الإسلامي لمصر، فقد شهدت مصر واحدًا من أشهر وأكبر أفراح التاريخ عندما قرر حاكم مصر laquo;خُمارَاوَيْهraquo; أن يُصاهر الخليفة العباسي في بغداد لتوحيد ملكه.

وكانت العروس هي الأميرة laquo;قطر الندىraquo; التي احتفل المصريون بزواجها بشكل غير معهود، وأبدعوا من أجلها عددًا من الأغاني ما زال التاريخ يحتفظ بإحداها حتى هذه اللحظة، وهي laquo;يا الحنة يا الحنة..

يا قطر الندىraquo;، وكان مهرها في ذلك الوقت مليون درهم، ما تسبب في إهلاك الميزانية وجعل الخزانة خاوية.

وقد ذكرت بعض كتب التاريخ أن الخليفة العباسي خطط لهذه المصاهرة من أجل تبديد الثروة المصرية، وإضعاف حاكمها خُمارَاوَيْه؛ لأنه توقع مبالغته في المصروفات وإسرافه الشديد، وهو ما حدث بالفعل؛ حيث استمرت الحفلات شهورًا عديدة منذ بداية رحلة العروس من بغداد إلى القاهرة.

وفي كل يوم كانت تُنحر مئات الذبائح؛ لتوزيعها على أفراد الشعب، ولم يكتف خُمارَاوَيْه بذلك، بل أقام محطات استراحة خُرافية على طول الطريق الذي يمتد إلى أكثر من 1000 كم.

وجعل كل محطة مجهَّزة بما يشبه القصر، وكان يحيط بالعروس 12 جملاً محملاً بالعطور والبخور وأدوات الزينة، بينما تم تخصيص 4 جمال لحمل ملابس العروس.

وفي عصر laquo;محمد عليraquo; كانت تتسم حفلات الزواج بالخيال، فقد عرُف عن محمد علي كثرة زيجاته؛ حيث تزوج أول مرة قبل قدومه إلى مصر من laquo;أمينة هانمraquo;، أم إبراهيم باشا، وأقام حفل زواجه في ألبانيا.

ووصفه البعض بأنه كان بسيطًا ومتواضعًا، لكن بعد قدومه إلى مصر وتوليه السلطة واستقراره فيها، شعر أنه بحاجة إلى تكوين أسرة كبيرة ترضي طموحه وأحلامه، فأكثر من الزواج حتى وصل عدد زوجاته إلى 27، أنجبن له 30 ولدًا وبنتًا.

زفاف جماعي

ومع وصول قطار الأفراح إلى أسرة محمد علي باشا في بدايات القرن ال19، أخذ منحنى الاحتفال بالزواج شكلاً جديدًا.

حيث نُقلت بعض مظاهر الاحتفال من أوروبا، ووصل الأمر إلى ذروته في عهد الخديوي إسماعيل الذي أقام مجموعة من الحفلات الأسطورية في مناسبات عديدة أهمها حفل افتتاح قناة السويس.

وبعدها أقام أكبر حفل في التاريخ لتزويج أبنائه، والذي عرف باسم laquo;أفراح الأنجالraquo;؛ حيث مثَّلت هذه الأفراح محطة مهمة في تاريخ احتفال الحكام بأعراسهم، كما أن هذا الحفل خاصة يمثل أول زفاف جماعي رسمي في مصر.

وفي حفل laquo;أفراح الأنجالraquo; تزوج الأمراء laquo;توفيق، حسين، وحسنraquo; من ثلاث أميرات من الأسرة العلوية، كما تزوجت الأميرة فاطمة بنت إسماعيل باشا من الأمير طوش بن محمد سعيد، وقد استمرت الأفراح 40 يومًا وليلة.

وفي يوم الفرح تم تقديم laquo;الشرباتraquo; للمدعوين في أكواب ذهبية ثم وُزعت عليهم الهدايا الضخمة، ونُصبت سرادقات هائلة في كل أحياء القاهرة؛ حيث تناول الشعب الطعام على شرف الأمراء، وتمتعوا بمشاهدة الفرق الأجنبية التي استقدمها إسماعيل من أوروبا لهذه المناسبة.

علاوة على المطربين المصريين مثل عبده الحامولي وألمظ، وبعدها تم الطواف بأجهزة العرس في شوارع القاهرة حتى يشاهده الشعب.

الملك فاروق

وفي نهاية ثلاثينيات القرن الفائت تزوج الملك فاروق وهو في قمة نجوميته من الملكة فريدة، وذلك في العام 1938.

حيث كان الزفاف جماهيريًا على كافة المستويات، فقد غنَّى له أطفال المدارس من قلوبهم، ووزع بعض أفراد الشعب الحلويات من حسابهم الخاص.

وتبارت المحال التجارية في إقامة السرادقات وتعليق الزينات والأضواء، والتف عشرات الألوف حول القصر الملكي لحظات عقد القران، وهم يهتفون بحياة فاروق وعروسه.

ورغم حالة الحب التي كانت تسود الشعب والمودة التي كانت تربطهم بالملك في الزواج الأول، إلا أن الزواج الثاني من الملكة ناريمان العام 1951 يمثل هبوطًا في أسهم فاروق عند المصريين، بعد أن انتهى الزواج الأول بالفشل وطلاق الملكة فريدة .

بساطة ناصر

وبعد أقل من عامين من أفراح أسرة محمد علي قامت ثورة يوليو، وانتقلت مصر من الملكية إلى الجمهورية؛ ليأخذ قطار الأفراح منحنى جديدًا.

فكانت هدى ابنة الزعيم عبدالناصر أول فرحة جمهورية تعيشها مصر بعد أن تزوجت من حاتم صادق في حفل عائلي بسيط للغاية لا يختلف عن احتفالات الأسر المصرية من الطبقة المتوسطة.

وهو حال الفرح الثاني الخاص بابنته الأخرى منى التي تزوجت من أشرف مروان، أما أبناء ناصر الذكور، فقد تزوجوا بعد وفاة والدهم، والملاحظ في فرح بنات ناصر أنه استقبل عددًا من المطربين والفنانين سواء مدعوين أم مجاملين لإحياء الفرح، وعلى رأسهم أم كلثوم، عبدالوهاب.

السادات

وعكس بساطة ناصر، فقد تجاوز السادات قليلاً لكنه لم يقترب من ترف الأفراح الملكية، فقد كانت أفراح بنات السادات زاخرة بالمدعوين الأجانب والعرب.

وزادت أعداد الفنانين المصريين والأجانب، وكان من بينهم المطرب الفرنسي صاحب الأصول المغربية laquo;ريكو ماسياسraquo;.

واليوناني ذو الأصول المصرية laquo;ديميس روسوسraquo;، كما حضر عمر الشريف الذي حثه السادات على العودة إلى مصر، علاوة على حضور عدد هائل من المطربين المصريين.

أفراح مبارك

بعد أن وصل قطار الزواج إلى محطة أبناء الرئيس مبارك، فقد لاحظنا حرصه على أن تتم احتفالات نجله علاء من دون ضجة مثلما تفعل الأسر المصرية، واقتصر الحفل على أفراد العائلتين والأصدقاء في قاعة المؤتمرات.

ولم يحضر سوى رئيس واحد هو العقيد معمر القذافي، وعدد كبير من الشخصيات الدبلوماسية، وكما حدث في حفل علاء تكرر في حفل جمال، النجل الثاني للرئيس مبارك، البالغ من العمر 46 عامًا.

حيث أقيم حفلاً بسيطًا في أحد فنادق مدينة شرم الشيخ، وحضره عدد من الوزراء وأقارب العروسين ورجال السلك الدبلوماسي.