مطلق سعود المطيري
كان في سجستان (إقليم بوسط آسيا بين ايران وافغانستان) شيخ يتعاطى النحو فقال يوما لابنه : إذا اردت ان تتكلم بشيء ، فأعرضه على عقلك ، وفكر فيه بجهدك حتى تقومه ، ثم اخرج الكلمة مقومة ، فبينما هما جالسان في بعض الايام في الشتاء، والنار تتقد ، وقعت شرارة على جبة الأب ، وهو غافل والابن يرى ، فسكت الابن ساعة يفكر ثم قال : يا أبتي ، أريد ان اقول شيئا فتأذن لي فيه ؟ قال ابوه : إن حقا فتكلم ، قال : أراه حقا ، فقال : قل ، قال : اني ارى شيئا احمر ، قال : وما هو ؟ قال : شرارة وقعت في جبتك ، فنظر الأب الى جبته وقد احترقت منها قطعة ، فقال للابن : لمَ لم تعلمني سريعا ؟ قال : فكرت فيه كما امرتني ، ثم قومت الكلام وتكلمت فيه ، فحلف ابوه بالطلاق الا يتكلم بالنحو ابدا .فهم الدول العربية للعمل الإعلامي في البيئة الدولية مثل فهم ابن الشيخ ، حيث يعمل العقل العربي على تلقي المعرفة وحفظها ، ليس في انتاجها فحسب ، بل حتى في طريقة حفظه لها ، ومن هنا يعتمد الكثير من صانعي الدعاية السياسية الاسرائيلية على ذاكرة العربي الحافظة للمعرفة اكثر من الاعتماد على الذهنية المتفاعلة لصانعي الخطابات السياسية العربية ، هذا جانب من تحليل بناء الدعاية الاسرائيلية اما الجانب الآخر والذي هو موضوع هذا المقال ، فيرتكز على بناء الشرعية سواء تم الاعتماد من اجل ذلك على نصوص دينية او قرارات دولية لخلق عقيدة وطنية محمية بسياج ديني وسياسي، مرحلة بناء الشرعية هي من اكثر المراحل عنفا ونشاطا لأن منشئ خطاب الاقناع في هذه الفترة يتطلع لتشكيل استجابات تخدم مصالحه لم تكن موجودة من قبل ، وقد تجاوز الخطاب الاسرائيلي هذه المرحلة من بناء الشرعية وتم ذلك عند الاعتراف بوجود دولة اسرائيل دوليا واقليميا وحتى عربيا وجاءت مرحلة ما بعد شرعية الوجود الى شرعية الحقوق الانسانية والتمدن الديموقراطي وهذا شيء تعاني منه اسرائيل كثيرا ، ولعل احداث غزة تعد مؤشرا صادقا على تورط اسرائيل في قضايا محرجة في شرعيتها الانسانية ..
الدبلوماسية السعودية كانت تسعى دائما لوضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته الشرعية من خلال انتاج معرفة سياسية حقوقية لا تخرج عن مسار الشرعية الدولية ، ولعل قرار مجلس الامن الذي دان العدوان الاسرائيلي على غزة مؤخرا وكان النشاط السعودي في هذا القرار واضحا ، الشيء الذي جعل وزير الخارجية الاماراتي يقول اثناء عملية اصدار هذا القرار (الذي لا يشكر الامير سعود الفيصل يعد انسانا جاحدا ) وكان النشاط السياسي السعودي الذي يتبع مناهج الشرعية الدولية هو اكثر وجعا لقلب الدبلوماسية الاسرائيلية المراوغة ، ولعل التغيير الذي طرأ على البيئة الإعلامية الدولية قد ساعد اكثر على فهم الدبلوماسية السعودية ، بدون اي نشاط اعلامي سعودي ونستطيع ان نقول ان الخطاب الاعلامي السعودي فشل حتى في مجاراة حركة عمل الاعلام الخارجي ومن بين هذه الحقيقة الناطقة بشرعية التوجه السعودي ظهر تهديد وزير الخارجية الاسرائيلي بشن حمله إعلامية وقانونية دولية واسعة النطاق ضد المملكة وجاء ذلك حسب جريدة معاريف الاسرائيلية في اعقاب استنتاج توصلت اليه وزارة الخارجية الاسرائيلية مفاده ان السعودية هي الجهة الاساسية التي تقف وراء الحملة العالمية لنزع شرعية اسرائيل ،الدبلوماسي الاسرائيلي شعر بكثير من الحرج امام المجتمع الدولي وكذلك أحرج جميع الاصوات التي تنادي بحماية أمن تل أبيب حتى إن بعض اصدقاء اسرائيل انفصلوا شعبيا عن جماهيرهم بسبب مساندة شرعية الفعل الاسرائيلي الذي يتنافى مع مفهوم حقوق الانسان وبهذا ترى حكومة تل أبيب ان المملكة صنعت إحراجها امام المجتمع الدولي واسقطت عنها قناع الشرعية الانسانية وأن الغريب بالأمر ان وسائل الاعلام العربية لم تتعامل مع تحذير ليبرمان للمملكة بشيء من الحس القومي الذي تتغنى به ليل نهار وكأن الامر لا يمس خطابها القومي من بعيد او قريب او لعل القائمين على شؤون الاعلام العربي مثل ابن شيخ النحو الذي يحتاج قبل الكلام الى تقويم الكلام.
التعليقات