محمد عيادي


النفوذ الواسع للوبيات الإسرائيلية في الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا وتأثيرها على قراراتها لصالح الدولة العبرية، خلق تيارا داخل العالم العربي والإسلامي، يعتقد بأنه لا طاقة لنا بإسرائيل ولوبياتها المختلفة (المالية والإعلامية والسياسية)، وأن الخيار المتاح هو التطبيع معها والقبول بالواقع المفروض؛ لأن موازين القوى الدولية ليست في صالح العرب ولا القضية الفلسطينية، وبالتالي القبول بالمتاح.
ولهذا التيار وحزب أوسلو كتاب ومثقفون من أبناء جلدتنا يدافعون عنه تارة بطرق ملتوية وتارة بشكل مكشوف وصريح، بحيث يشعر المرء من خلال طرحهم أن الأمر قضي، وأن صلاة الجنازة وشيكة على قضية فلسطين ومن ورائها الأمة العربية والإسلامية.
لكن المتتبع للإعلام الإسرائيلي يجد بين الفينة والأخرى مقالات وكتابات تفند هذا الزعم الباطل وتكذب طرح المنهزمين.
وأورد هنا أمثلة لمقالات صدرت في صحف إسرائيلية مختلفة في فترات متفاوتة قد اطلعتُ عليها مترجمة إلى العربية، ففي مقال تحت عنوان laquo;النجاح الإعلامي العربي يهدد إسرائيلraquo; بصحيفة laquo;يديعوت أحرونوتraquo; يقول الكاتب: laquo;قرع التفوق الصحافي العربي من حولنا جرس إنذار قويا في وجه إسرائيل خاصة مع قدرة العرب على إيصال أصواتهم وعرض مشكلاتهم على العالم أجمع، وللأسف بات العرب يملكون الآن منابر إعلامية عربية قوية استطاعت الوصول إلى قلب أوروبا بل وقلب أميركا ذاتها من خلال قناة الجزيرة الإنجليزية بما يعني أن عرض الحدث لم يعد حكرا على أحد، بل بات العرب شركاء أساسيين في هذا العرض الساخنraquo;. ويضيف: laquo;القناة (الجزيرة) نجحت في قيادة ثورة إعلامية جديدة في العقلية الغربية خاصة بعد اطلاع الغرب على مشكل العرب باللغة الإنجليزية المتطورة، الأمر الذي يزيد من خطوة التحديات التي تواجهها إسرائيل والولايات المتحدة على السواءraquo;. وطالب الكاتب بفتح الحوار مع الأوروبيين و laquo;معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت بهم للتخلي عن دعمنا لكي تكون القدس كاملة بشطريها الغربي والشرقي عاصمة إسرائيل، خاصة أن المؤسسات والهيئات الأوروبية التي تؤكد الآن على أن القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين كانت تشير في الماضي إلى أن القدس عاصمة إسرائيلraquo;.
وذكر مقال بصحيفة laquo;معاريفraquo; تحت عنوان laquo;لماذا ينتفض العالم عندما نعادي العربraquo; أن العالم ينتفض بألم عندما تنتهج إسرائيل السياسة العنصرية، بل تعرب العديد من قوى العالم في كل مكان عن غضبها الشديد من سياسة العنصرية التي تنتهجها إسرائيل ضد العرب، بل تصف العرب في كثير من خطاباتها أو بياناتها السياسية بأنهم أصحاب الحق المهضوم.
وفي السياق نفسه ذكر مقال بعنوان laquo;نجاح الدبلوماسية العربية خطر يهدد إسرائيلraquo; على موقع التلفزيون الإسرائيلي، أن سوريا أفسدت المخططات الخارجية الهادفة لاحتضان المعارضة اللبنانية، واعترفت هذه الأخيرة بأن لقاء الحريري مع الأسد يعد انتصارا دبلوماسيا يجب الحذر منه لأنه نجح في انتزاع الحريري من المخطط الغربي لمعاداة سوريا إلى حليف استراتيجي قوي.
أما صحيفة laquo;إسرائيل اليومraquo; فتحدثت في مقال بعنوان laquo;سفراؤنا بلهاء في ظل التفوق الدبلوماسي العربيraquo; عن قرار سابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية باستدعاء كل سفرائها عبر العالم لمناقشة أفضل السبل لتحسين صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي بعدما بات العديد من الشعوب يؤيد الحق الفلسطيني، ويرى أن إسرائيل تنتهك حقوقهم بلا رحمة. والسؤال -كما تقول الصحيفة- هو كيف يواجه السفراء جماعات حقوق الإنسان الأوروبية في العالم التي تنتقد العمليات العسكرية الإسرائيلية في فلسطين المحتلة. وجاء في المقال: laquo;يجب أن نعلم حقيقة مهمة للغاية وهي أن العديد من كبار الساسة والمسؤولين الإسرائيليين ليسوا مستعدين بالفعل لمواجهة الحقيقة القاسية التي يجب أن نعترف بها، وهي أننا نواجه الآن عدوا عربيا شرسا يدير حربا سياسية ماهرة ضدنا (بالطبع لا يقصد المفاوضين الفلسطينيين) وهو ما جعل العرب ينالون للأسف الشديد تعاطف وحب الكثير من دول العالم، وهو ما بات ظاهرا في قرار الاتحاد الأوروبي الأخير الذي يطالب بالاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة للفلسطينيين أو دعم أوروبا للفلسطينيين ورغبتها في التواصل معهم وبناء علاقات سياسية واقتصادية متميزة معهم أيضاraquo;. ودعت الصحيفة الدبلوماسية الإسرائيلية للتنازل عن نرجسيتها والاعتقاد بأن العالم ينظر للعرب ولحماس وحزب الله كإرهابيين، بل على العكس تقول الصحيفة إن هناك الكثير من القطاعات المهمة في العالم التي ترى أن هذه الجماعات تحارب من أجل الاستقلال المشرف ويجب دعمها.
وكشفت الصحيفة ذاتها أن عددا كبيرا من السفراء الإسرائيليين أرسل بالفعل برقيات أو خطابات تشير صراحة إلى أنهم يشعرون بأنهم مهاجمون من كل صوب في ظل السياسة التي تنتهجها إسرائيل، حيث يفضل كبار المسؤولين في الدول التي يعملون بها مقاطعتهم.
أمر آخر اعترفت به صحيفة laquo;يديعوت أحرونوتraquo; في مقال laquo;اتحاد المسلمين سيضيع القدس من يد إسرائيلraquo; بقولها: laquo;يجب أن نعترف بحقيقة مهمة هي أن الخلافات العربية أسهمت بالتأكيد في إحكام قبضتنا على القدسraquo; وهذا يكشف بوضوح على سبيل المثال أن مستشار المجلس الأعلى للآثار بمصر مختار الكسباني سقط في الفخ الإسرائيلي بمقترحه الشاذ وغير المنطقي بسحب ملف القدس من المغرب وتسليمه لتركيا، عوضا عن أن يطالب بتكثيف الجهود والتعاون العربي لإنقاد القدس من الغطرسة والعدوانية الإسرائيلية.
الخلاصة مما سبق، أنه ما زال بيد الأمة العربية والإسلامية رسميا وشعبيا ما يخيف الكيان الإسرائيلي ويقض مضجعه، وأن الأمر ليس كما يصوره المنبطحون، فصورتها انهارت بعد عدوان غزة، ولم يعد ذلك الكيان الضعيف المحتاج لدعم الغرب، وتحول لخطر على الغرب نفسه. لكن مشكلة الأمة مع حزب أوسلو ومع المهرولين الذين يسارعون بوعي أو بدونه لإنقاذ إسرائيل من عزلتها وأزمتها، ويحولون النجاحات إلى هزائم.
طبعا هناك من سيقول: laquo;وهل هناك نجاحات أصلا في معركتنا مع إسرائيل؟ وهذه النبرة التشاؤمية والنظرة السوداء طبيعية ما دام العالم العربي الإسلامي كما قال المفكر الكبير مالك بن نبي رحمة الله عليه فريسة ذهاني الاستهانة والاستحالة، الأول يحط من قيمة الأشياء ولا يقدر الأمور حق قدرها إيجابا أو سلبا، والثاني يستصعب كل خطوة في مواجهة الصلف الإسرائيلي ويعتبرها مستحيلة، ويبحث عن المشاجب لتعليق عجزه.