صالح عبدالرحمن المانع


وقعت كل من إيران وتركيا والبرازيل، في السابع عشر من مايو الحالي اتفاقا لنقل اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب إلى تركيا، وتحت ضمانات تركية ومراقبة إيرانية وكذلك من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية، مقابل التزام الدول الكبرى من موقعي اتفاق فينيا في أكتوبر الماضي، بتسليم إيران ما تحتاجه من وقود عالي التخصيب في حدود 120 كجم من اليورانيوم.
وجاء هذا الاتفاق في عشر مواد، كما أعلنه وزير الخارجية الإيراني (منو شهر متقي )، وتضمن هذا الاتفاق ضرورة إشعار الوكالة الدولية للطاقة النووية خطيا خلال أسبوع من توقيعه بنص الاتفاق.
وللوهلة الأولى يبدو أن هذا الاتفاق، مثله مثل اتفاق أكتوبر الماضي، يهدف إلى إلى نزع سلاح إيران من المواد النووية، وحملها على تجميد مشاريع التخصيب التي تقوم بها. وإذا حملنا الاتفاق على إجماله، فإنه بالفعل يجرد إيران مما تخزنه من وقود نووي، إذا ما كانت صادقة في القول بأن هذا المخزون يصل إلى 1200 كجم. ويمثل هذا النزع سابقة تاريخية ليس بحق إيران وحدها، ولكن بحق أية دولة أخرى تقوم بتخصيب اليورانيوم دون موافقة من الوكالة الدولية للطاقة النووية.
غير أن قراءة ثانية لبنود الاتفاق تشير إلى أن البند الأول، كما أوردته الصحف الإيرانية، ينص على حق إيران في استكمال دورة الوقود النووي، وهذا يعتبر اعترافا من قبل الدولتين، تركيا والبرازيل، باستكمال أنشطتها التخصيبية.
لذلك فإن التحفظ الذي أبدته الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وكذلك الوكالة الدولية للطاقة النووية، له ما يبرره. فاتفاق أكتوبر الماضي لا يعطي لإيران حق مواصلة التخصيب، واتفاق السابع عشر من مايو يعطيها مثل هذا الحق. وهناك إذن تباين كبير بين الاتفاقين.
والنقطة الأخرى، هي أن إيران قد نجحت في الساعة الحادية عشرة من وقف تطبيق عقوبات جديدة تسن بحقها في مجلس الأمن، في محاولة لإيقاف قطار العقوبات، أو حتى تعطيله بشكل جزئي.
علما بأن العقوبات الأمريكية والأوروبية، وحتى الروسية منها والصينية، غير المعلنة، والتي دخلت حيز التنفيذ خلال الربيع الحالي، وقبل مصادقة مجلس الأمن عليها، قد أضرت بالاقتصاد الإيراني، وأبعدت عنه الكثير من المستثمرين، وأثرت على إمدادات النفط المكررة إليه، بل وأثرت على حجم طلبيات المشترين من النفوط غير المكررة الإيرانية. ومثل هذا شكلا من أشكال الضريبة غير المباشرة، التي قبلت الحكومة الإيرانية بتحملها جراء مواصلة برنامجها النووي.
البعض يرى في تحرك إيران في اللحظة الأخيرة انتصارا دبلوماسيا لها، ولكن ذلك يمكن أن يأخذ احتمالات كثيرة، فهو وإن أوقف هاجس العقوبات المباشرة، وأعطى فسحة أكبر من الزمن للدبلوماسيين الإيرانيين للتفاوض مع نظرائهم الغربيين، فإن إيران لم تستفد إيجابيا أو تجاريا من مثل هذا الاتفاق. فصفقة المحفزات الأوروبية والتي كانت معروضة قبل عامين على الإيرانيين لم تعد موجودة على الطاولة، وتم سحبها بعد أن ترددت الحكومة الإيرانية طويلا في قبولها. وبات على الدبلوماسيين الإيرانيين محاولة تقليص الخسائر، بدلا من زيادة المكاسب.
ودبلوماسيا، لم تنجح السياسة الإيرانية لحكومة أحمدي نجاد في كسب الحلفاء، فقد خسرت بتصريحاتها وعنتريتها وشعورها القومي المتعاظم، الكثير من أصدقائها خاصة في منطقة الخليج العربي، والذي يجب أن تسعى فيه إيران إلى كسب الأصدقاء، بدلا من خلق المزيد من المتاعب لنفسها، وحسر دائرة الأصدقاء. وهناك الكثير من التصريحات التي تسمع من قبل بعض الساسة الإيرانيين حتى ضد دول الجوار في وسط آسيا.
الولايات المتحدة، ولعدم قناعتها بالاتفاق الإيراني ــ التركي البرازيلي سارعت إلى طرح موضوع العقوبات الجديدة الأكثر صرامة على مجلس الأمن، ويتضمن هذا المشروع عقوبات تحظر عمل البنوك الدولية في طهران، وتسمح بتفتيش السفن المتوجهة إلى إيران. ويعني ذلك فرض شكل من أشكال الحصار البحري الموجه ضد إيران، ولكنه حصار يتم التحكم به وبحدته، بحيث لا يخرج عن نطاق محدد، ولا يقود إلى مواجهة مسلحة..
الأزمة الإيرانية مع الدول الغربية لم ولن تنتهي بمثل هذا الاتفاق، وستكون الحكومة الإيرانية في موضع غير محسودة عليه، فتشددها سيقابله تشدد آخر، وحلول الحادية عشرة مساء، والتي لا تلتزم بالشروط الأساسية سيقابلها ضغوط لا نهاية لها، ولن تنتهي العاصفة في الأمد المنظور.