القاهرة - هيام حسان
الحلقة الأخيرة من برنامج 'ما لا يقال' على تلفزيون بي بي سي العربي جاءت تصديقاً جديداً على نية القائمين على البرنامج الخوض في غمار المحظور والمسكوت عنه في المجتمعات العربية. عنوان الحلقة 'متنصرون' ولكن الموضوع تشعب لاعتبارات لا مناص منها بحيث امتد ليشمل المتنصرين ومن ورائهم من مؤسسات وفكر ورموز و... وقنوات فضائية تتزاحم هناك في ركنٍ بعيد من العالم اسمه 'كاليفورنيا' وتتصارع مع بعضها البعض لتتقاسم كعكة العالم العربي الاسلامي من خلال تنصيره بكل السبل والوسائل الممكنة لها.
عرضت الحلقة سواء في شقها الوثائقي الذي أعده الزميل عمر عبد الرازق أو الآخر الحواري الذي أدارته الاعلامية ليليان داوود للكثير من المعلومات التي ربما تكون باعثاً للهواجس والقلق عند الغيورين على الدين الاسلامي. وكان من اللافت في الحلقة الظهور المتكرر لأشخاص تحولوا من الاسلام الى المسيحية بقصص وتجارب متنوعة تؤكد في مجملها أن التنصر في العالم العربي بلغ مبلغاً كبيراً بالفعل.
هاني نسيرة أحد ضيوف الحلقة والباحث الاكاديمي الذي وقف على الظاهرة من خلال دراسته العلمية أكد أنها تضرب بجذورها في التاريخ وليست بمستجدة وأن هناك العديد من نماذج التحول عن الدين الاسلامي أوغيره من الاديان تمت لدوافع وأغراض شتى، فيما قال الداعية الشيخ خالد الجندي أن الامر أشبه ما يكون بالعرض والطلب فمقابل جماعات التبشير هناك حركات الدعوة الاسلامية ولكن القرار يعود للشخص نفسه.
البرنامج ورغم أنه ألمح الى صراع غير متكافئ بين مقدمي 'العروض العقائدية' تلك الا أنه لم يستطع أن يقطع بما جاء به، اذ بقي الحديث عن اغراءات المال والعمل أو الهجرة التي تقدمها الجماعات التبشيرية لكسب متنصرين جدد دون جواب قاطع والسبب على الارجح الفراغ الذي خلفه عدم تعاون الجهات المعنية مع البرنامج ورفضهم المشاركة والادلاء بوجهات نظرهم في الامر.
مع ذلك، فقد أمكن للمشاهد بسهولة أن يستنتج بضع حقائق نحو اليقين بعضها يعود لما يتم طبخه في كاليفورنيا حيث التناحر على أشده بين القنوات التبشيرية من أجل استقطاب المزيد من التبرعات والاموال الطائلة لتصب في خدمة أهدافها وتوفر مغريات التنصر التي يجري التكتم عليها.
وبسبب هذا التناحر يتم رفع وتيرة الخطاب الهجومي على الاسلام والمسلمين بحيث يغدو كما نرى ونسمع في 'الحياة' أو 'الحقيقة' أو غيرها من القنوات التي تتبنى العنصرية والكراهية الدينية والتحريض على الفتنة نهجاً وتكتيكاً من أجل الانقضاض على فرائس جديدة وضمها الى حظائر ايمانها وحدها دون غيرها من القنوات.
الكثير مما يمكن قوله في هذا الصدد ولكن رد الاب وجيه عبد المسيح على النهج العدائي لهذه القنوات كان دون المأمول والمتوقع، فقد عمد عند مواجهته بسؤال عن الامر الى التذكير بخطاب الشيخ المرحوم محمد متولي الشعراوي تجاه المسيحيين وكتابات مسيئة لآخر في الصحف والمجلات...يا رجل، يا رجل الدين وهل يجوز أن يكون رد 'الاساءة' بـ 'الاساءة'؟! ومع ذلك لنسلم جدلاً بأن الشيخ الشعراوي تجاوز الحدود في جدله حول المعتقد المسيحي، هل لأحد أن يقارن ذلك بالتهجم على نبي الاسلام ونعته بأبشع الألفاظ والأوصاف التي تعجز الآذان عن سماعها اضافةً الى التطاول على صحبه وأتباعه وتسخيف معتقداتهم والسخرية منها بأوهى الحجج التي لا تنطلي حتى على صغير، ولا سبب وجيه لكل ذلك سوى رفع وتيرة القذف والسب في حق الديانات الأخرى لاستحلاب مزيد من أموال بقرة التبرعات الامريكية والاوروبية والاستئثار بها قبل أن يصلها خطاب القنوات الاخرى!
لايفوت في هذا المقام الا أن نشكر الرب على أن شيوخ ودعاة الاسلام ورغم الدرك الاسفل الذي أوقعنا فيه بعضهم بسبب فتاويهم التي ما أنزل الله بها من سلطان لا زالوا قادرين على الاحتفاظ برشدهم والتزام الادب والاخلاق في جدلهم العقائدي فلم نجد ولو نفراً واحداً مثلاً يتطاول بتصريحٍ أو تلميح عن عيسى عليه السلام أو أمه مريم العذراء. ورحم الله من قال 'الدين أفيون الشعوب' مع الاعتذار لمن يعتقد أن الرحمة عليه لا تجوز فلا علم لي بأي فتوى في هذا الخصوص!
الاخوان السعوديون
ليس بعيداً عن الدين أيضاً كانت حلقة برنامج 'اضاءات' على قناة العربية لمقدمه تركي الدخيل. حاولت الحلقة انصاف أو رد الاعتبار للدكتور علي الرباعي قبل مناقشة كتابه 'الصحوة في ميزان الاسلام' فقد ذهب الاخير ضحيةً جديدة لما بات معركةً وصراعاً تشهده المملكة العربية السعودية بشكل يومي بين قطبيها المتنافرين: المعتدلين والمتشددين.
الرباعي وكما بدا من خلال الحلقة أحد المغضوب عليهم فقد حاول تأسيس صالون أدبي في منطقة الباحة حيث يقيم ويعمل الا أن السلطات الأمنية هاجمت الجلسة الاولى للصالون واعتقلت صاحبه وعاملته كما يعامل المجرمون فقامت بأخذ بصماته وتصويره حاسر الرأس كما قال، ولم تطلق سراحه الا بعد أن أخذت عليه تعهداً بأن لا يعقد أي جلسات أخرى للصالون، وأيضاً باعترافه نفسه فقد كان الرباعي أحد أعضاء الصحوة في السعودية قبل أن يتحول عنها، أما حديثه في كتابه عن 'الخطاب الاقصائي في الوهابية' الذي أسس لفكر 'القاعدة' فهو سبب آخر على ما يبدو للغضب عليه ومنه، أضف الى ذلك بأنه أحد أولئك الذين يقطعون بأن المملكة تتوافر على نصيبها من 'الاخوان المسلمين' الذين لا يكشفون عن هذه الهوية لأحد.
أما المرة الاخيرة التي ناله فيها الأذى فقد كانت بسبب وشاية 'عظمى' مفادها أنه دعا خلال مشاركته في احدى الجلسات الاخيرة لنادي الباحة الادبي الى الاختلاط فوقع عليه الغضب مجدداً قبل أن يرفع عنه بعد أن تبين أنه انما تمنى فقط لو أن محاضرة المرأة التي كانت تلقى على مسامعه ومسامع الحاضرين من وراء حجب أي من خلف جدار القاعة المجاورة..لو أنها فقط كانت مرفقة بملف بصري له علاقة بموضوع المحاضرة يعرض على الرجال الحاضرين من خلال شاشة عرض خاصة فلا يصيبهم الملل أو يغيب عنهم التركيز! الامر فهمه البعض خطأً ومنهم رئيس النادي نفسه فراجت شائعات بأن الدكتور الرباعي يدعو للاختلاط وقامت الدنيا لهذا السبب ولم تقعد الا بشهادة الشهود العدل وبشريط فيديو يسجل ما قاله الدكتور بالحرف وينفي ما ألصق به من تهم باطلة! قلوبنا معكم يا معتدلين في مملكتكم فالطريق ما تزال طويلة.. طويلة جداً!
الفقر... عيب
قبل أن تعلن البحرين اغلاق مكتب 'الجزيرة' فيها وقبل أن تنفي 'الجزيرة' أن يكون لها مكتبً في البحرين وتعرب عن استغرابها من أي قرار ضدها، تناولت حلقة 'الاقتصاد والناس' بيوم أو اثنين موضوع الفقر في البحرين وعرضت لنماذج من فقراء الدولة الخليجية التي لا ينطبق عليها معيار الفقر العالمي بل تطبق معياراً خاصاً بها نظراً لارتفاع المستوى المعيشي فيها. فالمعيار لها هو خمسة دولارات لليوم الواحد ان قل دخل الفرد عنه فانه يدخل في دائرة الفقر. المعيار الذي تطبقه الامم المتحدة أدنى من ذلك ويترواح بين دولار الى دولارين في اليوم الواحد.
كان ملاحظاً خلال الحلقة اصرار المسؤولين في البحرين على أنه لا يوجد فقر في البحرين (وفقاً للمعيار الدولي) كما أن الفقر في البحرين من نوع خاص يطلقون عليه 'الفقر النسبي' وليس 'الفقر المدقع'. اللافت أن المواطنين العاديين الذين استطلعت آراؤهم كانوا أكثر واقعيةً من المسؤولين وجنحوا الى الرأي القائل بأن الفقر سنة الله في دوله وهو شر لامفر منه وموجود في كل الدول بلا استثناء وان بدرجات متفاوتة.
تختلف الآراء والمعايير ولكن الفقر يبقى واحداً خصوصاً عند مقارنته بالغنى والثراء وهوة سحيقة تفصل بين سكان العالمين. والفقر آفة ولكنه ليس رجلاً والا لكان عمر بن الخطاب قتله قبل البحرين التي وعدت بالقضاء عليه في خطتها الألفية كما أنه ليس عيباً ومن حق 'الجزيرة' وغير 'الجزيرة' أن تتحدث فيه ولذلك لا نعتقد بأن هذا هو السبب وراء اجراءات البحرين بحقها، أما اذا كانت البحرين تعتقد أنه عيب فالاجدى لها أن تنتقل لكوكب آخر قبل أن يصيبها فيروس 'الجزيرة 'مرة أخرى!
بوش.. حديث من القلب
استضافت 'أوبرا وينفري' مؤخراً في استديو برنامجها الذي يحمل اسمها نانسي بوش زوجة سيىء الذكر الرئيس الامريكي السابق جورج بوش وابنتيه. المناسبة هي أن السيدة بوش أصدرت كتاب مذكراتها بعنوان 'حديث من القلب' وبالطبع ليس هناك أحسن من برنامج 'أوبرا' الذي يشاهده الملايين من كافة أرجاء المعمورة للترويج لهذا الكتاب. فرص الكساد والخسارة وفقاً لحسابات العقل والمنطق المستندة لوقائع ما آل اليه مصير بوش وعائلته عالية ولذلك فان التفاني في محاولات الترويج والدعاية عالية أيضاً. لم يقتصر الامر على حوار حميمي دافئ في الاستديو بل امتد الى مزرعة السيدة بوش وعائلتها مع شرح بسيط ولطيف وخفيف دم عن الحياة اليومية العادية للعائلة ذات المزرعة.
بوش ورغم أنه لم يظهر الا لماماً في التقرير المصور كما أنه لم يحضر اللقاء مع أوبرا في الاستديو، الا أن روحه الفكاهية الاستهتارية كانت تحوم كالشبح طوال الوقت وآخر ما نقل عنه من فكاهاته في التقرير هو اطلاقه على بركة السباحة التي ألحت ابنتاه كثيراً من أجل الحصول عليها داخل المزرعة:'بركة النق'. كم كريه أمر هؤلاء الأثرياء عندما يتصنعون التواضع أو الاعتدال في الانفاق ويتمنعون عن حفر بركة سباحة في مزارعهم... نلتمس العذر لبوش من دونهم جميعاً فلربما تذكره بركة السباحة تلك ببركة الدم أو بالأحرى برك الدم التي خلفها في حربيه الخاسرتين في أفغانستان والعراق..كان الله في عونه، بل في عون ضحاياه.
التعليقات