محمد بن إبراهيم الشيباني


كثيرا ما يصفون الكويت في الماضي بالقوة العظمى الثالثة اي بعد اميركا وروسيا (الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه)؟ ياترى من اين اتت هذه العظمة؟ ولماذا لقبت بهذا؟
ان هذا اللقب، وفق اجتهادي القاصر، ليس وليد الساعة، وانما يرجع الى اكثر من مائة سنة، حيث انه من المعلوم ان الكويت كانت تؤوي اليها اللاجئين من الملوك والحكام ورؤوس القبائل.. وذلك فرارا من ثورات او خلافات بين اسرهم الحاكمة، وغير ذلك دخيل الكويت لا يستطيع احد اخراجه، لان حكامها كانوا لا يسلمون من يلجأ إليهم.
أما الامر الآخر فانها ومنذ القدم تجد في حروبها من يقف معها من القبائل وعشائر الدول المجاورة، بل ابعد من ذلك اذا هوجمت من تلك القبائل منعتها الدولة العلية العثمانية بوساطة ولاتها في البصرة او بغداد بإصدار فرمانات تمنع الاعتداء.
ولما عقدت معاهدة الحماية السرية مع بريطانيا عام 1899 اصبحت حماية الكويت فرضا لازما عليها، وبدأت من موقعة الرقعي عام 1928 وذلك عندما اقبلت جيوشها الجرارة: طائرات وبواخر ودبابات وجيش يصل قوامه الى اكثر من ألف جندي، وهكذا توالت الحماية.
أما في العصر الحديث اي منذ الستينات والى اليوم فقد انتشر قولهم ان الكويت لم تكن تابعة للدولة العثمانية؟! اذا كانت الكويت قوة عظمى ناشئة حالها كحال بريطانيا وألمانيا وروسيا وهولندا! عجيب اذا كان العراق من شماله الى جنوبه تابعا للدولة العثمانية بل المنطقة الشرقية الاحساء، بل سوريا والشام كلها وغيرها! فمن نكون نحن؟ ليس في الكويت في تلك الفترة ما يستدعي فتح شهية العثمانيين لبلد يعيش اهله على البحر، وليس هناك ثروات فيه معلومة مثل النفط الذي علم البريطانيون به قبل غيرهم، وهو سر من الاسرار!
مساعدة الشيخ مبارك للدولة العثمانية، وعلمها الذي يرفع على السفن الكويتية في البحار الدولية، بل في قصر السيف، بل في صور الشيخ مبارك الكثيرة، ومع الشيخ خزعل، وتسمية والي البصرة الشيخ مبارك قائم مقام الكويت! وطلب الشيخ مبارك موافقة الدولة العليا بالسكنى في الكويت كما اورد وثائقه الشيخ د. سلطان القاسمي في كتاب laquo;بيان الكويتraquo; وغيرها كثير، هذا كله لا يعني اننا تابعون للدولة العثمانية، شيء غريب! وإليكم هذا النص النادر الذي اورده خان بهادر عبدالله القناعي في الرسالة التي حققتها ونشرتها، وهو من تدويناته في الصفحة 30:
laquo;في 9 من ربيع الآخر عام 1327 هــ (1909) بلغنا خبر ان السلطان عبدالحميد انخلع (خلع) عن الحكومة وانه صار بمكانه اخيه خان، ومجدوه عندنا على المنابر في الجمعة الموافق 9 من ربيع الاول، ولا عرفنا حقيقة الامر أيش (ما الذي) جرى على السلطان عبدالحميد الله يحفظه ويؤيده ويعزه وينصره، ويسمعنا عنه ما يسر خواطرناraquo;!
أبعد هذا النص حجة او قول؟ اذاً نحن نكرس تلك العظمة اليوم في محاولات البعض طمس دور العثمانيين هنا، بل ودور العريعر (الخوالد) الذين استأذنهم العتوب في السكنى في ارض غير ذي زرع، وهي الكويت، اذاً ماذا يفعلون بالنصوص والوقائع التاريخية والوثائق العثمانية الكثيرة التي تصل الى سبعة آلاف وثيقة تخص الكويت يملكها اخونا د. سعود العصفور (مصورة) كما قال لي ذلك في مكالمة هاتفية، وما نملكه من مراسلات اصلية بين الشيخ مبارك ووالي البصرة، كلها تشهد على ذلك ونص خان بهادر القناعي الذي اوردته، إنها والله قسمة ضيزى، وميزان غير عادل، واجحاف في حق الآخرين! قليلا من التواضع للإنسان.. للتاريخ.. للأجيال.. والله المستعان